عبده خال


مدينة جدة موعودة خلال الأيام القلائل بعودة معرض الكتاب الدولي إلى أحضانها بعدما تكالب على (تحريمه) في هذه المدينة نفر ممن يطلق عليهم المحتسبون، ومن كان متابعا لآخر معرض أقيم في مدينة جدة بمركز الجمجوم يتذكر تماما ذلك الحدث الذي تنادى له نفر من الناس وأحدثوا لغطا والتنادي بنصرة الدين من أجل حضور الكتاب. في ذلك المعرض - ومنذ أكثر من عشر سنوات أو تزيد- كان المحتسبون قد أطلقوا أيديهم في مناشط الحياة الاجتماعية والثقافية يمنعون ما يريدون ويعترضون على ما لا يريدون.. في ذلك المعرض انطلق أولئك المحتسبون إلى دور نشر بعينها وحالوا بين المشترين والباعة ، وأطلقوا هياجا حيال بعض الكتب ومدوا أياديهم لأخذ الكتب ومنعها بقرار شخصي، يومها أحدثوا ضجة كبيرة أدت في نهاية الأمر إلى تحزبهم مع بعض الدعاة ورفع الأمر إلى الإمارة ..وأقسم بعضهم أن لا يقام معرض للكتاب في مدينة جدة. هذا الحدث سبق كثيرا الأحداث المتتالية التي حدثت في معرض الكتاب وكان أبطالها أولئك المحتسبين.. فكان معرض الرياض ساحة لكثير من المناوشات والمشاغبات التي أدت بالمحتسبين إلى تسمية تلك الأحداث بالغزوات.!


مضى زمن طويل على ابتعاد جدة عن معرض الكتاب، وشهادة للتاريخ أن عودة هذا المعرض كان الفضل فيه إلى ترحيب الأمير خالد الفيصل لدعوة أعضاء نادي جدة الأدبي - أعضاء المجلس في دورته السابقة برئاسة الدكتور عبدالمحسن القحطاني - باستعادة معرض الكتاب.. وكانت جملة: كيف لمكان أميره شاعر وفنان أن يمنع فيه الكتاب..؟
ومنذ تلك الفترة والأمير خالد الفيصل منذ أول أيام توليه إمارة منطقة مكة المكرمة - يتابع كل التفاصيل من أجل استعادة هذا المعرض ولم ينس هذا الأمر فكان يسأل دئما: إلى أين وصل مشروع معرض الكتاب بجدة؟


والآن ومن خلال أخبار المعرض كنا نرى حرص أمير المحافظة الأمير مشعل بن ماجد لأن يكون المعرض جديرا بمدينة جدة وهذا الاهتمام النابع من أهمية المعرفة كإستراتيجية للبلد علينا أن نلجأ إلى هذه الصيغة الرسمية لحماية المعرض ممن لايزالون يحاربون المعرفة بكل أشكالها..
ولأنه معرض تحت نظر وسمع الدولة ممثلا في أمير المنطقة ومحافظها تغدو الأمنية أن يكون الغطاء الرسمي صمام أمان للمعرض سواء من قبل المحتسبين أو من بعض رجال الهيئة.. وعندما أقول بعض رجال الهيئة فهذا يذكرنا بالحادثة التي حدثت -قريبا- بنادي الطائف الأدبي والتي كان أبطالها بعض رجالات الهيئة عندما اقتحموا النادي (أثناء إقامة الأمسية الشعرية، ومطاردة أحد الإداريين في الممرات والطرقات دون مستند نظامي، بدعوى وجود اختلاط بين الصالتين الرجالية والنسائية، بناء على بلاغ تقدم به أحد الأشخاص، وهو الأمر الذي نفته إدارة النادي، إذ توجد قاعة للرجال مستقلة تماما ومنفصلة عن قاعة النساء، وترتبط بمدخل مستقل خلف مبنى النادي).


وحادثة نادي الطائف تجعل معرض جدة هدفا للكثيرين ممن لايزالون يعاملون الثقافة كهيرويين مخدر عليهم منع الناس منه، بينما هذا الظلام الذي أصاب المجتمع كان بسبب عدم الاطلاع والقراءة وسبر أغوار المعرفة..ولهذا السبب تم اختطاف المجتمع لزمن كانت فيه (الغفوة) تسحب كل منجزات البلد الأدبية والفنية.
نحن الآن نقف عند مفترق الطرق .. وكل الطرق التي تم فيها إجبارنا على سلوك طريق بسبب هؤلاء المحتسبين نسير دائما في الجهة الخطأ ... دعوا الناس يختارون ما يشاؤون قراءته وأن لا تمسكوا بالريموت كونترول لتوجيه أدمغتهم في حين أن الله خلق لهم عقولا من أجل أن يفكروا لا من أجل أن يتبعوا.
أخيرا يجب أن تكون المظلة الرسمية هي صمام الأمان لإنجاح معرض جدة الدولي للكتاب وندواته المصاحبة.