&الأمور التي تقسم البلاد في تزايد

&إدوارد لوس&

في الماضي كان الأمريكيون يستقرّون حول التلفزيون للاستمتاع بعيد ميلاد أبيض معاً. في هذه الأيام، على ما يبدو، هم يترسّخون فوق الحد على طرفي النقيض من "الحرب على عيد الميلاد"، أو جعله سلعة للنسيان، على حد تعبير دندنة بينج كروسبي. القول إن الولايات المتحدة هي حضارة مُنقسمة قد يُذهل بعضهم باعتباره أمرا مُبالغا فيه.

بشكل عام، أمريكا لا تزال تتحدث لغة واحدة. السود والبيض، المُستقيمون والشاذون جنسيا، واليهود والمسلمون، جميعهم يتدافعون لحضور آخر فيلم من سلسلة حرب النجوم. الاهتمام بحفل توزيع جوائز الأوسكار وبطولة الاتحاد الوطني لكرة القدم تُلغي التمييز الاجتماعي. كذلك يفعل الخوف من انعدام الأمن الاقتصادي. هذه الأشياء توحّد معظم الأمريكيين.

لكن الأشياء التي تقسم البلاد في تزايد. إذا استمعنا إلى مناظرة المرشحين الجمهوريين للرئاسة نجد رسالة واحدة تطغى على الجميع. المُحافظون لا يختلفون فقط مع الرئيس باراك أوباما - بل يكرهونه بعمق. عند سؤالهم ما إذا كانوا سيدعمون ترشيح دونالد ترامب، حتى الجمهوريين الأكثر اعتدالاً يقولون إن أي شخص سيكون أفضل من هذا الرئيس "الضعيف، عديم الفائدة"، على حدّ تعبير كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي. بالمثل، إذا سألنا أي ليبرالي عن الجمهوريين اليوم، فلن يطول الوقت قبل أن يبدأ باستخدام كلمة "غبي". الناس الذين يدعمون ترامب أغبياء. والناس الذين يُعارضونه لا بد أنهم مُتكبّرون. الناس من الجانبين لا يتحدثون مع بعضهم بعضا، ولا يحصلون على "معلوماتهم" من المصادر نفسها. الحقائق هي ما ترتاح في تصديقها. كما لا يوجد أحد في مجموعتك الاجتماعية من المرجح أن يتحدّاك.

هل فكرة أن أمريكا هي جمهورية من القيم المُشتركة في خطر؟ من المُغري القول لا. لقد خاضت البلاد اشتباكات فلسفية من قبل وخرجت أقوى مما كانت. وُلدتْ أمريكا في خضم أحد هذه النزاعات. الخلاف بين توماس جيفرسون، شاعر الثورة الأمريكية، وألكسندر هاميلتون، كبير دعاة الفيدرالية، يسبق الجمهورية. إنها تحيا على شكل المُحافظين الذين يفضّلون حقوق الولايات، والليبراليين الذين يُفضّلون دورا أكبر للحكومة الفيدرالية. التاريخ بدأ في عام 1776 وهو يُحدّث نفسه ضمن النقاط المرجعية نفسها. سيتم عرض تلك الحجة مرة أخرى في عام 2016 بين هيلاري كلينتون وأيّاً كان المرشح الجمهوري. وفقاً لهذا الرأي، من الحكمة أن نكون متهاونين. مهما كان الضجيج مُزعجاً، فسيتم إخماده من قِبل عنف التاريخ ليُصبح اتحاداً أوثق من أي وقت مضى.

مع ذلك، من الصعب الاستماع إلى التبادل السام للكلمات اليوم وتصوّر أنه قد يتلاشى في أي وقت قريب. فلا يُمكن عدم ابتكار ترامب. النقاش الجمهوري الأخير كان يبدو كما لو أنه إطلاق للحملة الصليبية العاشرة أكثر من كونه مسألة أي المرشحين يملك أفضل الأفكار لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. استعادة المواقع المُقدّسة المسيحية من الإسلام لم يكُن الهدف الوحيد من الحروب الصليبية. الدافع الآخر للبابوية كان توطيد سيطرة روما على أوروبا. وقد نجح الأمر. في الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط ذبح الصليبيون كثيرا من اليهود والزنادقة، تقريباً بقدر ما قتلوا من المسلمين. على المنوال نفسه، نقاش أمريكا حول كيفية اقتلاع إرهاب المتطرفين الإسلاميين يتعلّق بهزيمة الأعداء السياسيين في الداخل بقدر ما يتعلق بالتعامل مع الحقائق على أرض الواقع في الشرق الأوسط.

الدليل على ذلك، لننظر إلى حلول المرشّحين الجمهوريين فيما يتعلق بسورية. دع جانبا تعهّدهم "بالتدمير"، أو "القصف الكثيف"، أو "إزالة" جماعة داعش. هناك فرق قليل من الناحية العملية بين ما يُريد معظم الجمهوريين المُتشدّدين فعله وبين ما تفعله إدارة أوباما. لا أحد تقريباً يريد إرسال القوات البرية الأمريكية. الجدل لا يتعلق كثيراً بسورية بقدر ما يتعلّق بأوباما، أكثر رئيس أمريكي مغاير لأمريكا في التاريخ، وفقاً لمُهاجميه. أيّا كان الذي سيحل محله، حتى المُتعجّرف ترامب، فإنه سيُعيد أمريكا ويجعلها عظيمة مرة أخرى. باستثناء قليل من التفجير هنا، وقوات خاصة أكثر قليلاً هناك، فلن يُحدث أي تغيير يُذكر للسياسة في سورية. الزعم بالضعف فيما يتعلّق بالإرهاب هو مجرد حجر آخر يتم رميه في المعركة من أجل روح أمريكا. في قلوبهم، يعتقد الليبراليون أنهم فازوا بالفعل بتلك المعركة. إلى حد كبير مثلما يحدث في أفلام حرب النجوم، فإن قوى التركيبة السكانية معهم. بحلول أوائل الأربعينيات من هذا القرن ستكون الولايات المتحدة دولة الأقلية الأغلبية. مع كل عملية انتخابات يتضاءل عدد البيض كحصة من الناخبين. أخبرني أحد المُفكّرين الليبراليين أخيرا أن فوز أي مُرشّح جمهوري بالبيت الأبيض "مستحيل رياضيا".

مثل هذا اليقين يأتي بنفاد الصبر، وحتى الاحتقار، للذين يختلفون معه. كما أنه يعزز الفُرقة الثقافية. يعتقد الليبراليون أن النزعة المحافظة لدى حزب الشاي هي عنصرية ضمنيا - ومع تعليقات ترامب، فهي عنصرية بشكل صريح. مع ذلك، حين يفترض الليبراليون ولاء الأمريكيين من غير البيض، فإنهم مذنبون بالصور النمطية العنصرية. بالمنطق نفسه، لا يُبذَل جهد يذكر من أجهم فهم السبب في أن كثيرا من الأمريكيين البيض من الطبقة المتوسطة ابتعدوا عنهم. لم يُغفَر لأوباما قط قوله إن الأمريكيين البيض الفقراء يعانون وعيا ماركسيا كاذبا. "إنهم يصابون بالمرارة، ويتمسكون بالبنادق، أو الدين، أو العداء لمن هم ليسوا مثلهم". كان حكيما حين لم يكرر هذه المشاعر. لكن في عصر ترامب، أصبحت هذه من أركان العقيدة الليبرالية. عمال المصانع الأمريكيون إما أنهم أغبياء على نحو لا يؤهلهم لفهم حقيقة أنهم يصوتون ضد مصالحهم الاقتصادية، وإما أنهم متحيزون عن علم. إلى هذه الدرجة وصلت العلامات المميزة لأمة يئست من نفسها.

وهو ما يعيدنا إلى فيلم حرب النجوم بعنوان "استيقاظ القوة". هناك أشياء قليلة أكثر إمتاعا من مشاهدة قوى الظلام وهي تخسر المعركة. هذا هو القدْر الذي يجمع بين الأمريكيين الليبراليين والمحافظين. لكن خلال هذه الجلسة من حسن النية، سيكون من الحكمة أن نتجنب التعمق في هذا القياس. القوة مستيقظة ومستعدة. دعونا نتركها على حالها.