&الياس الديري

&ما جدوى التحليلات والاستنتاجات، إذا كان الوضع اللبناني راسياً على قرار من "الخارج". و"الخارج" قد يكون دولة، دولتين، ثلاثاً. وقد تكون الغاية واحدة. في خانة واحدة، ولمصلحة واحدة أيضاً، في صدد تفريغ لبنان وتعطيله.

لبنان في هذا الوقت يواصل الذوبان، كما تذوب ثلوج الجبال في عزّ حرارة الصيف. إنما ذوبان لبنان تسبِّبه الهجرة شبه الجماعيَّة، والموضَّبة في حقائب من يأس. لا فائدة من انتظار امتدَّ الى أربعة عقود، ولا يزال مرشَّحاً لفيضٍ من التعقيدات والتفسُّخ. هذا هو الواقع بوضوح تام.
ليس صحيحاً كلّ ما يُكتب ويُعلن ويُقال عن الفراغ الرئاسي. وأسبابه. ودوافع من يقف خلفه. وليس صحيحاً أن بعض المسترئسين والمتعطِّشين الى العلى هم مَنْ يعرقل، ويضع العصي، ويمنع انتخاب رئيس للجمهوريَّة منذ عشرين شهراً. هم من ينفّذ. والأنانية حاضرة. إنما ثمة قرار لا يُردُّ بالنسبة الى بعض الفئات والتيارات والتكتّلات. وهذه الواقعة الراسخة لم تعد سراً.
الإفاضة في الشرح حول عملية تذويب لبنان الزمن الجميل، لبنان الازدهار، لبنان سويسرا الشرق وجنة العرب ومقصد الغرب، وأمنية كبار المفكّرين والأدباء والشعراء والفنانين والرسّامين، والباحثين عن ليالي الأنس في بيروت لا في فيينا، هذه الإفاضة لم تعد تضيف الكثير أو المزيد...
يلوح في الأُفق اللبناني تركيز جليٌّ على أمر لم يعد سراً. كأنما في الهدف مؤامرة شريرة لتيئيس اللبنانيّين من هذا البلد – الولد الذي لم يعد يختلف عن غابة سائبة، وحثّهم بل إرغامهم على اللجوء الى "حل الهجرة" صوب المجهول، زرافاتٍ زرافات، لا وحدانا.
صحيح، لا غضبة شعبيَّة، "كاملة" بلبنانيّتها وتوجّهاتها وصفائها، يعلو لها صوت صادق، ناقم، فعّالٌ، يؤدي الى "ثورة بيضاء" على غرار ثورة تنحّي الرئيس الاستقلالي الأول الشيخ بشارة الخوري. ما يحصل أحياناً من همروجات تغلب عليها اللاجديَّة واللاهدف، لا تسمن أو تغني من جوع. كمن يرمي حصاة في بحر ويروح.
وهذا أخطر ما يواجهه بلد مثل لبنان، تنضوي تحت لواء سيبته ثماني عشرة طائفة. أما بالنسبة الى حقيقة النظام والانتماء والولاء والتمسُّك بالأرض والهوية، وما الى ذلك، فهناك مؤشِّرات صريحة في هذا الصدد. البحث عن لقمة العيش، عن الأمن الشخصي، عن المستقبل عن صيرورة النظام والحريّات، هذا الكم من العوامل يدفع الأجيال الجديدة، كما القديمة والقادرة، على التفكير الجدّي في "الهجرة الكاملة". ومن لون واحد تقريباً.
وفي زمن وجود ما يقارب المليوني "ضيف" سوري وفلسطيني، ليس في الإمكان التحدُّث أو البحث في مصيرهم، وأمر بقائهم أو... بقائهم، في هذا الوقت بالذات.
علينا أن ننظر الى الواقع اللبناني الراهن بقلوب صافية، وأعين سليمة، وعقول واعية. وبكامل المسؤولية من هذه الزاوية.