غسان الإمام

يستعد العام الجديد لتسلم التركة الثقيلة للعام المنصرم، في غمرة آمال لبابا نويل، بتسويات سلمية لأزمات صعبة وحروب دموية، لا سيما على المسرح العربي. ومع العام الجديد، أطلقت السعودية قمرًا إسلاميًا، هو الأول من نوعه، في سماء العلاقات بين الدول الإسلامية.


كل ما أستطيع أن أقول إن قمر «التحالف الإسلامي» ما زال غامضًا بانتظار التفاصيل السعودية. وقد ولد تحت مظلة الاصطفاف الخليجي (السعودي. القطري) مع تركيا. الجديد في هذا التحالف كونه قمرًا عسكريًا يتمتع بمصداقية كبيرة، لاختلافه عن سائر الأقمار العادية لمنظمات وهيئات التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية. ولاختيار الرياض مقرًا لقيادته العسكرية الاستراتيجية.


وإذا كان لي أن أفلسف أهمية هذه الولادة الصعبة لمؤسسة عسكرية إسلامية/ عربية، فأقول إن الحافز المشجع كان الشعور العميق بألم النكسات والهزائم التي أنزلها «الشريك» الأميركي بالعرب، في غزوه أفغانستان. ثم العراق الذي تم تقويض عروبته. وتسليمه بغباء أميركي كبير إلى نظام طائفي شيعي متعاون مع إيران.


ويمكنني أن أضيف، إلى هذه الحسرة على الهوية العربية المضيَّعة في العراق، الانتفاضة العربية ضد النظام الجمهوري العربي اللاديمقراطي الذي ولد على مفصل ستينات وسبعينات القرن العشرين، إثر الغياب المفاجئ لقمر جمال عبد الناصر (1970).


كما تسببت محاولة أميركا أوباما «أخونة» النظامين التونسي والمصري، بنشوب رد فعل غاضب سعودي. إماراتي. مصري، تمثل برفض المؤسستين المصرية والتونسية هذه الردة الرجعية «الإخوانية».
إخفاق المرجعية «الإخوانية» في تقديم إسلام معاصر مؤمن بمجتمع حر، شجع النظام الخليجي على استلهام التجربة الإردوغانية في تقديم إسلام تركي ليبرالي، إلى حد منحه عشرة ملايين علوي تركي حرية ممارسة شعائرهم الدينية.


أخيرًا، كان الاصطفاف الخليجي مع تركيا نتيجة لدور الإردوغانية في المشرق العربي، ومحاولتها إقناع الأنظمة الطائفية الشيعية في إيران. والعراق. وسوريا، بالانفتاح على العرب، وعدم التورط في نزاعات دموية، مع الغالبية السنية المطالبة بحريتها السياسية في سوريا والعراق. والكف عن محاولة الهيمنة على لبنان. وحرمان المسيحية من حقها. وحريتها في اختيار رئيس ماروني.


هل «تنسحب» تركيا من سوريا، بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي منح أميركا وروسيا «شرعية» التدخل في سوريا، بحيث ضاقت مرونة التحرك التركي بين أطراف النزاع؟
الجواب متروك للمستقبل المنظور، لرصد كيفية تعامل التحالف الخليجي/ التركي، مع محاولة أكراد سوريا، بدعم من أكراد حزب العمال الكردي في تركيا، إقامة دويلة كردية مستقلة، في أقصى شمال شرقي سوريا. العرب والأتراك يحرصون على وحدة التراب السوري. واستقلاله. وسيادته. ويرفضون محاولة أكراد سوريا تقسيم البلد، على أساس عنصري. أو ديني.


لذلك أرى أن السعودية لم توجه دعوة لفصائل أكراد سوريا، إضافة إلى فصائل أخرى، لحضور مؤتمر الرياض للمعارضة السورية التي تمكنت من تشكيل وفد تفاوضي موحد. وهيئة عليا للإشراف على المفاوضات مع النظام السوري. كما اعتذر برهان غليون عن عدم حضور مؤتمر الرياض. وكان غليون لجأ إلى فرنسا في أوائل الثمانينات كداعية كردي.


لست مقتنعًا بإمكانية نجاح المفاوضات لتحقيق التغيير المنشود في سوريا. فقد كلفت إيران نظام بشار إحباط هذه المفاوضات، كما فعل بمفاوضات جنيف. وهو أمر يضع إيران وبشار في تناقض محرج للرئيس الروسي بوتين الذي أكد في مؤتمره الصحافي يوم الخميس الماضي، ضرورة التغيير، وإقامة نظام «علماني» سوري.


وما زلت عند رأيي بضرورة وضع سوريا تحت الوصاية الدولية، واستخدام قوات دولية عربية وغير عربية، لفرض السلام بالقوة. ولإقامة دولة ديمقراطية عربية تضمن حقوق الأقليات. ولمنع التنظيمات الدينية المتزمتة من التسلل إلى المدن، وتدمير الديمقراطية والسلام، بتقاتلها داخل طيات المجتمع المدني.


في انسحابها الافتراضي من سوريا، وتدخلها المفاجئ في العراق، اختارت القيادة العسكرية التركية ثغرة فاصلة بين الموصل وكردستان العراق.


هناك قلق خليجي من اجتياح الميليشيات الشيعية العراقية التي يقودها ضباط فيلق الحرس الثوري الإيراني، وقوات كردية، أراضي السنة العربية والتركمانية، في شمال العراق ووسطه، بحجة «تحرير» الموصل من قبضة «داعش». وقد سبق لأكراد العراق وسوريا أن قاموا بإبعاد العرب عن أراضيهم. وقراهم القريبة من الحدود التركية، ومن إقليم كركوك، لتأكيد النقاء العنصري للدولة الكردية المنشودة في البلدين.


أنزلت إيران نوري المالكي والميليشياوي هادي العامري إلى شوارع بغداد، لإحراق العلم التركي. وفي إطار الاصطفاف الإيراني. السوري. العراقي، وراء روسيا، عرض الرئيس بوتين على حكومة حيدر عبادي قصف القوات التركية. خشي العبادي نشوب حرب تركية - روسية على الأراضي العراقية. لكنه واصل «التزمير» المشاغب على الوجود التركي. فكان رد إردوغان بأن تركيا تحترم استقلال العراق وسيادته. لكنها لن تنسحب من شمال العراق.


أين تقف أميركا من هذا التزاحم التركي. الإيراني. الخليجي. الروسي، في سوريا والعراق؟ هناك انقسام داخل الحزب الديمقراطي: أوباما يشن حملة كلامية على بشار. جون كيري لورنس أميركي لإنقاذ المدنيين بمشروع حل مع بوتين. هيلاري مع توحيد العراق وردع إيران. جوزيف بايدن مع تقسيمه. أما الحزب الجمهوري فيتراوح في الدعوة بين قصف كثيف لـ«داعش»، من دون مبالاة بخسائر المدنيين. والتساؤل عما إذا كانت الديمقراطية ستنجح، أم سيكون هناك نظام ديكتاتوري كنظام بشار. في حين أن جنرالات البنتاغون مع استخدام طائرات «أباتشي»، لمساعدة الجيش العراقي باقتحام الرمادي والموصل.


هل يكتمل قمر التحالف العسكري الإسلامي/ العربي، ليغدو بدرًا منيرًا له دوره كلاعب إقليمي ودولي ذي وزن سياسي وعسكري؟ أم أنه سيبقى مجرد هلال صغير يدور في فلك نجم تركي كبير؟
هل ترضى تركيا أن تبقى مجرد قلعة عسكرية في مواجهة الاختراق الإيراني للمشرق. وفي تحدي جارتها روسيا التي اكتشفت أنها تدفع ثمنًا باهظًا لتدخلها في سوريا. وتريد «تدفيع» تركيا بقية الحساب؟ أم أن إردوغان يطمح إلى أن يكون سلطانًا فاتحًا. وبابًا عاليًا، في إمبراطورية عثمانية خارجة من تابوت التاريخ للتحكم بالعرب، مباشرة أو بـ«الريموت كنترول»؟
وهل ترضى دولة إسلامية كبرى كإندونيسيا. وباكستان، أن تمارسا الاصطفاف وراء تركيا، في قمر التحالف الإسلامي العسكري، أم ستبقيان مجرد حمامتين زاجلتين تحملان إلى العرب رسائل الود والغرام من بعيد إلى بعيد؟
إن الأـمر بيّن لدى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي لعب طوال حياته السياسية والرسمية، في بلده. ودينه. وأمته، دور السعودي المنسق. والمصالح. والمحاور. والمؤمن الصالح. وليس أبدًا دور السلطان الطامح. أو المسؤول الآمر. والناهي. والمحتكر.
&