إبراهيم درويش

ينتهي عام 2015 ولا يزال العالم يبحث عن طرق للتخلص من تهديد «تنظيم الدولة». ورغم حفاظه على زخمه طوال العام إلا أنه تكبد خسائر في أكثر من موقع، فقد خسر أولاً سد الموصل الذي سيطر عليه في حزيران/يونيو 2014 وتوقفت قواته أمام إربيل ولم تصل إلى بغداد. وتم إخراجهم من المدن والبلدات التي سيطروا عليها قربها. وسقطت مدينة تكريت بيد تحالف من القوات العراقية وقوات الحشد الشيعي وهي مظلة للميليشيات الشيعية في بداية نيسان/إبريل ليسيطر التنظيم على مدينة الرمادي في 17 أيار/مايو.

وأدى سقوط الرمادي لتغيير كل خطط الحكومة العراقية لتنظيم حملة على الموصل التي تعتبر ثاني أكبر مدن العراق وكان يعيش فيها أكثر من مليوني نسمة قبل دخول «تنظيم الدولة» إليها.

وأكد الجهاديون سطوتهم عندما أخرجوا قوات النظام السوري من مدينة تدمر في قلب الصحراء السورية والمدينة الغنية بالآثار الحضارية القديمة.

وجاء دخولهم المدينة ليعوض خسائرهم قبل ذلك بعام في بلدة عين العرب/كوباني وتراجعهم أمام مقاتلي الحماية الشعبية الكردية في مدينة تل أبيض.

وأجبر التنظيم في تشرين الثاني/نوفمبر على الخروج من بلدة سنجار حيث تقدم مقاتلو البيشمركة الأكراد مدعومين بطيران التحالف الدولي نحو البلدة وأجبروا الجهاديين على التراجع منها.

وتقدر دراسة نسبة خسائر التنظيم لهذا العام بحوالي 14% من أراضيه. ويرى تقرير أعده مركز «إي أتش أس» للتحليل الأمني والدفاعي أن الخسائر التي تعرضت لها «الخلافة» تشير إلى أنها توسعت أكبر من قدرتها. ويقول التقرير إن الانتصارات الدعائية والمعنوية التي حققها التنظيم في الرمادي وتدمر جاءت على حساب تراجعاته في كل من شمال سوريا وشمال العراق وخسائره أمام الأكراد وكذلك خسارته تكريت وبيجي (في تشرين الأول/أكتوبر).

وأدت خسارته لسنجار لقطع خطوط الاتصال بين الرقة والموصل وهو ما عقد من وصول الإمدادات له. ورغم خسائر التنظيم إلا أنها لا تقارن مع تراجعات النظام حيث شهد العام تقلصا في المناطق الواقعة تحت سيطرته بنسبة 16% وكانت ستزيد لولا التدخل الروسي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر.

هزيمة كبيرة

ومع ذلك ستكون خسارة الرمادي تراجعاً جديداً للتنظيم الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية بعد قراره توجيه ضربات في الخارج كان آخرها هجمات باريس في تشرين الثاني/نوفمبر والتي قتل فيها 130 شخصا ودفعت التحالف الدولي لتركيز هجماته على المنشآت النفطية للتضييق على مصادر الجهاديين المالية.

وسرعت هجمات باريس بدخول بريطانيا للحرب في سوريا بعد التصويت في البرلمان البريطاني الذي أعطى تفويضا لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون لشن غارات جوية على مواقع الجهاديين في سوريا.

وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» للتقدم الذي أحرزته القوات العراقية في مدينة الرمادي حيث تحاول السيطرة على عاصمة محافظة الأنبار. ويعتقد قادة الجيش العراقي أنه سيتم تحرير المدينة في غضون 72 ساعة حيث لم يبق فيها إلا ما بين 600- 1.000 مقاتل من التنظيم.

وتعلق الصحيفة إنه في حالة تمت السيطرة وبشكل كامل على الرمادي فستكون الهزيمة أكبر نكسة يتعرض لها الجهاديون في سلسلة نكساتهم هذا العام بعد بيجي ومصفاتها النفطية وتكريت وسنجار.

وترى الصحيفة أن إعادة السيطرة على مدينة الرمادي ستعطي حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دفعة معنوية يحتاجها وقد تؤدي لتعاون مثمر مع العرب السنة الذين استبعدوا من العملية السياسية، وأكثر من كل ذلك فستعيد ماء الوجه للجيش الذي عانى من إهانات وهزائم منكرة منذ هروبه من الموصل.

وتقول الصحيفة إن التقدم الذي حققته القوات العراقية حول المدينة منذ يوم الإثنين أحيا الآمال بنجاح الحكومة بعد أشهر من التحضيرات تجميع قوات كبيرة وكافية للانتصار في الرمادي وبالتعاون.

وكان المتحدث العسكري الأمريكي في بغداد العقيد ستيفن وارن متفائلاً بقرب سقوط المدينة التي فرضت القوات العراقية عليها حصارا منذ اسبوعين. ونقل موقع «سايت» الذي يراقب نشاطات تنظيم «الدولة» صورة عن اتصالات بين أتباع تنظيم «الدولة» حاولوا فيها التقليل من أهمية معركة الرمادي وقدموا صورة عن مدينة هادئة.

وتشير الصحيفة الى أن تنظيم «الدولة» يحاول العثور على طرق لإبطاء تقدم القوات العراقية وسط تقارير تحدثت عن استخدامه سكان المدينة الباقين كدروع بشرية. ويمثل في النهاية تراجعه من المدينة خسارة جديدة له بعد أن سيطر على ثلث العراق في العام الماضي.

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد قال إن التنظيم خسر نسبة 40% من أراضيه في العراق خاصة بعد تكثيف قوات التحالف الدولي غاراتها عليه. وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن استعادة الحكومة للرمادي بالكامل لا يعني قبول سكانها السنة بوجود قوات عراقية شيعية ولهذا حثت الولايات المتحدة العبادي على دعم وتدريب قوات سنية تقوم بإدارة امور المدن المحررة وعدم تكرار دروس تكريت وغيرها من المدن التي دخلتها الميليشيات الشيعية ومنعت سكانها من العودة إليها بعد تدمير عدد كبير من أحيائها.

ووسط التحديات التي يواجهها التنظيم في كل من العراق وسوريا قام بتوسيع عملياته في الخارج حيث نفذ متعاطفون مع عمليات في لبنان ومصر وتونس وفرنسا وأمريكا.

توسع.. عالمياً

وتحولت ليبيا لقاعدة جديدة حيث أصبح الفرع الليبي من أقوى الفروع التابعة لما يطلق عليها الدولة الإسلامية، وبات يسيطر وسط فوضى الحرب التي تعاني منها البلاد على مناطق واسعة خاصة مدينة سرت الساحلية. وأدى حضور التنظيم بهذه القوة لنقاش دولي حول التدخل عسكريا وضربه ومنع تهديداته على الدول الجارة وبالتأكيد أوروبا القريبة من سواحل ليبيا.

ولا شك فقد شهد عام 2015 خروج تنظيم «الدولة» عالميا وأضحى منافساً لتنظيم القاعدة على قيادة الجهاد العالمي، حتى في المناطق التقليدية لها مثل اليمن وأفغانستان. وذكر موقع «لونغ وور جورنال» أن مؤيدي «الدولة الإسلامية» نشروا صورا لمعسكرات تدريب لهم في الفلبين.

وقام فصيل يطلق على نفسه اسم «جند الخلافة في الفلبين» شريط فيديو كشف عن معسكرات التدريب في هذا البلد بجنوب شرق آسيا.

ولا يعرف الكثير عن ولاءات الفصيل هذا لكن الفصائل المتشددة في جنوب الفلبين حيث تعيش غالبية مسلمة هناك أعلنت ولاءها لتنظيم «الدولة». وفي بداية الشريط تحدث مقاتلون ملثمون عن «الحج إلى الخلافة» قبل أن تنتقل الكاميرا إلى معسكر تدريب بدائي. وظهر بعد ذلك مقاتلون وهم يتدربون على قفز الحواجز ويقومون بنشاطات رياضية أخرى.

وظهر المقاتلون وهم يتلقون تدريبات أساسية على استخدام السلاح الذي يبدو أنه أمريكي الصنع. ومعظم الذين ظهروا في الفيديو كانوا على ما يبدو من الشباب لكنهم غطوا وجهوهم. ولا يحمل الفيديو تاريخا للنشر ولكنه وضع على وسائل التواصل الاجتماعي قبل فترة.

وحسب الموقع فلم يتم التعرف على هوية الفصيل الذي أعد الشريط، فالفصائل الجهادية المعروفة في الفلبين هي أبو سياف ومقاتلو الحرية في بانغسامورو وجماعة أخرى تطلق على اسمها «أنصار الخلافة» وهذه المجموعات إما عبرت عن دعمها للدولة الإسلامية أو قدمت البيعة.

وتعتبر جماعة أبو سياف مؤيدة تقليديا لتنظيم القاعدة. وفي عام 2014 ظهر في الفلبين صانع قنابل معروف اسمه عبد الباسط عثمان، وكان يعتقد أنه قتل بقنبلة من طائرة بدون طيار في منطقة وزيرستان في الباكستان.

وتلاحق الولايات المتحدة عثمان لتورطه بتفجيرات في الفلبين ولعلاقته مع الجماعة الإسلامية في أندونيسيا.

وقتل عثمان بداية العام الحالي بعد مواجهة مع القوات الفلبينية. ويقول الموقع إن جماعة أبو سياف كانت تلقى الدعم من محمد جمال خليفة أحد أصهار أسامة بن لادن وذلك حسب شهادة زعيم الجماعة قذافي جنجلاني الذي قتل عام 2006. وكان خليفة نفسه قد قتل في مدغشقر عام 2006 على يد القوات الأمريكية الخاصة.

ولكن الجماعة أبعدت نفسها عن «القاعدة» عندما أعلن زعيمها إنسيلون هابيلون الولاء لأبي بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية وذلك في تموز/يوليو 2014. ومع ذلك تظل العلاقة بين الجماعة الفلبينية وتنظيم البغدادي غير واضحة، فعندما قامت باختطاف عدد من الغربيين لم تقل إنها تحتفظ بهم باسم «الدولة الإسلامية». وكان مقاتلو الحرية في بانغسامورو قد أعلنوا العام الماضي عن ولائهم لتنظيم «الدولة». وتظل جماعة «أنصار الخلافة» الأكثر وضوحاً بين جماعات الجهاديين الفلبنيين في علاقتها مع تنظيم «الدولة».

وظهرت أول ما ظهرت في آب/أغسطس 2014 عندما نشرت فيديو على «يوتيوب». وفي نيسان/إبريل 2015 نشرت شريط فيديو جديداً وهددت فيه الحكومة الفلبينية والجنود الأمريكيين بتحويل الفلبين مقبرة لهم.

تهديدات ضد أندونيسيا

وفي هذا السياق نقلت صحف أسترالية عن النائب العام الأسترالي تأكيده أن تنظيم «الدولة»، «بلا شك» «يحاول إنشاء «خلافة بعيدة» في أندونيسيا إما مباشرة أو عبر وكلاء». وقال جورج برنديس بعد لقاء على مستوى عال بين المسؤولين الأستراليين والأندونيسيين إن التنظيم «حدد أندونيسيا كمكان لتحقيق طموحاته».

وأضاف «لدى تنظيم طموحات من أجل تعزيز حضوره في اندونيسيا إما مباشرة أو عبر وكلاء».

وتساءل «هل سمعتم بتعبير «الخلافة البعيدة» فقد أعلن تنظيم «الدولة» عن طموحاته لإنشاء خلافة أبعد من الشرق الأوسط»، ولهذا حدد أندونيسيا كمكان لطموحاته. وحذر من تعرض أندونيسيا للإرهاب الإسلامي.

ونقلت صحيفة «الغارديان» عن غريغ فيلي الخبير في الحركات الإسلامية في أندونيسيا في الجامعة الوطنية الأسترالية قوله إن أندونيسيا ليست عرضة لمخاطر تنظيم «الدولة» رغم أن عدد الأندونيسيين الذين سافروا للقتال في الشرق الأوسط. وقال فيلي «أشك بعض الشيء» و»الكثير من الباحثين الذي يدرسون تنظيم «الدولة» في جنوب ـ شرق آسيا لا يعتقدون أن التنظيم له خطط كبيرة في أندونيسيا». وأضاف «لم نر تنظيم «الدولة» يقوم بإرسال المقاتلين إلى ماليزيا وأندونيسيا لتنفيذ هجمات إرهابية. ولم تظهر بيانات منه تشير إلى أنه يريد إقامة خلافة في جنوب شرق آسيا أو أندونيسيا». وذكر أن المقاتلين الذين عادوا إلى أندونيسيا قاتلوا بشكل رئيسي مع جبهة النصرة- فرع القاعدة في سوريا.

وأضاف «لقد عادوا بعد عام ولكنهم ليسوا مهتمين بالإرهاب ولكن باستخدام مهاراتهم لإقامة دولة إسلامية». وكان وزيرا دفاع البلدين قد وقعا في سيدني اتفاقية تفاهم حول الإرهاب.

وقال وزير العدل الأسترالي مايكل كينان إن البلدين سيتعاونان في مجال التشارك الاستخباراتي والشرطة ومكافحة الإرهاب ومواجهة رسالة العنف التي يدعو لها التنظيم عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

وفي تقرير أعده معهد تحليل السياسات والنزاع في العاصمة الأندونيسية جاكرتا ونشر في تشرين الأول/أكتوبر حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدي تنظيم «الدولة» في أندونيسيا إن استخدام الإنترنت «لا يعني بالضرورة تغييرا في أشكال التجنيد ولكن التأكد من وصول دعاية تنظيم الدعاية إلى قطاع واسع». ولا يزال التجنيد وجها لوجه هو الدافع الذي يدفع المتطوعين للسفر إلى محاور الحرب.

واقترح التقرير تشديد الرقابة على استخدام المواد المتطرفة على الإنترنت ومنع الإرهابيين المدانين والسجناء من استخدام الإنترنت والهواتف النقالة وتدريب الشرطة ورجال الإستخبارات على تقنيات الأمن السايبري.

واقترح التقرير استخدام العائدين من سوريا والذين جاءوا حاملين معهم قصصا عن الفساد والوعود الكاذبة والتمييز العربي ضد مواطني جنوب شرق آسيا ومعاملتهم لهم كمواطنين من الدرجة الثانية».

ومهما كان حال التنظيم في أندونيسيا إلا أن مهمة البحث عن استراتيجية واضحة لمواجهته ستتسيد أجندة العام المقبل، وفي ظل الإنسداد السوري فالتنظيم سيظل تهديدا على الدول التي يعمل فيها. ولكن شعاره «باقية وتتمدد» على ما يبدو يتعرض لتحديات، فهو يواجه حروبا على كل الجبهات.

وفي الأيام المقبلة سنرى كيف ستتكشف الأمور في الموصل والرقة وماذا بحوزة الجهاديين من عتاد ومفاجآت إن بقيت لديهم خيارات.

والمهم في كل هذا أن هزيمة التنظيم لن تنهي مخاطر الجهاديين في سوريا مثلا أو ليبيا، ففي تقرير صدر يوم الإثنين عن مركز تابع لمؤسسة «الدين» التي يديرها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير حذرت من أن هناك 15 جماعة جهادية جاهزة لأخذ مكان تنظيم «الدولة». وقدر التقرير عدد مقاتليها بحوالي 65 ألف مقاتل يتبعون «جبهة النصرة» و»جيش الإسلام» و»أحرار الشام» و«لواء الأمة».

&