بلال حسن التل

&

&

&
هل تذكرون البيان الذي أصدرته جمعية الشؤون الدولية يوم 25/ 11 /2014، والذي دعت فيه إلى تحصين جبهتنا الداخلية، لنتمكن من مواجهة التحديات الناجمة عن عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة، محذرة من امتداد نيران المحيط إلى الداخل الأردني؟.
يومها لم تتوقف الجمعية عند حدود تشخيص الأوضاع والتحذير منها، بل اقترحت مفاتيح لما ترى انه ضروري لتحصين الجبهة الداخلية، وأول ذلك توعية الرأي العام وتوجيهه نحو الأولويات، وسد الثغرات التي يمكن ان تتسلل من خلالها قوى التطرّف والإرهاب إلى بنياننا الوطني لتفتيت جبهتنا الداخلية.
في حينها كتبت في الرأي الغراء وفي عددها الصادر يوم 30/ 11/ 2014، مقالاً عقبت فيه على بيان الجمعية، وقلت بأنها تتميز بالمثابرة التي تضفي الجدية والمصداقية على أعمالها وقدرتها على المتابعة، وها هي جمعية الشؤون الدولية تثبت ذلك مرة أخرى، فالجمعية لم تكتف بإصدار البيان، بل واصلت العمل لترجمة ما ورد في بيانها حول تحصين الجبهة الداخلية، خاصة لجهة تحديد الأولويات وبناء الوعي، حيث أعلنت الجمعية على لسان رئيسها الدكتور عبد السلام المجالي، وهو من هو في تاريخ الأردن من حيث موقعه في سلم بناة الدولة الأردنية منذ بداياتها الأولى، وهو الموقع الذي أهلَّه ليكون سنديانة باسقة من سنديانات هذا الوطن، الحريصة على استمرار مسيرته بأمن وسلام وقوة، من هذا الموقع الذي يحتله الرجل أعلن مؤيدًا بكوكبة من رجال الوطن وبناته من أعضاء جمعية الشؤون الدولية: إن أولوياتنا الأولى الآن هي منع امتداد الحريق المشتعل عند جيراننا إلى وطننا وحماية ظهر أبناء قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، وتوفير أجواء معنوية داعمة لهم، تشعرهم بأنهم يضحون من أجل وطن متماسك، وأهل يعلقون عليهم آمالاً كبارًا، فلم يعد جائزًا في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا ان نشغل عقول وقلوب قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بقضايا ومسائل يمكن تأجيل الحديث حولها إلى وقت لاحق، نكون قد اطمأننا فيه إلى ابتعاد النيران كثيرًا عن حدود وطننا، أو على أقل تقدير ان لا ننفخ كثيرًا في هذه القضايا والمسائل، خاصة وان جزءًا كبيرًا منها يحتاج إلى إقامة الدليل والبرهان على وجوده بالحجم الذي يتم الحديث فيه عن هذه القضايا.
وفي حديثهم عن حماية ظهر قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، وهي الحماية التي تُشكل ركيزة أساسية لتحصين جبهتنا الداخلية، فإن رئيس وأعضاء جمعية الشؤون الدولية وبالإضافة إلى مطالبتهم بترتيب الأولويات الوطنية، فإنهم يطالبون بالعدل والإنصاف عند الحديث عن قضايا الوطن وواقعه، ففي الوقت الذي لا ينكر فيه أحد وجود ثغرات وعثرات في مسيرتنا الوطنية لا بد من إصلاحها، فإن ذلك يجب ان لا يدفعنا لتجاهل ونكران الإنجازات الكبيرة التي حققها وطننا منذ ان قامت الدولة الأردنية الحديثة، والإيجابيات الكثيرة التي حققتها، بل ان ضرورات المرحلة تقتضي إبراز هذه الإيجابيات لأكثر من سبب.. أولها: البناء على هذه الإيجابيات وتعظيمها، والتأكيد على اننا شعب قادر على البناء والإنجاز. كما ان بقاء الحديث محصورًا في دائرة السلبيات يفتُ في العضد ويُقعد عن الهمم ويزرع اليأس. وأهم من ذلك ان الإيجابية عنصر هام من عناصر بناء الجبهة الداخلية المتماسكة، ورفع الروح المعنوية، خاصة لقواتنا المسلحة، وأجهزتنا الأمنية، عندما نؤمن جميعًا بأن لدينا ما يجب ان ندافع عنه وما يجب ان نمنع النيران المشتعلة في المنطقة من الامتداد إليه والتهامه.
ولأن جمعية الشؤون الدولية، كما قلنا سابقًا تمتاز بالمثابرة والعمل الجاد لتحقيق الأهداف، فإنها وكعادتها لم تتوقف عند حدود إصدار بيانها الذي دعت فيه إلى تحصين الجبهة الداخلية، لكنها جعلت البيان قاعدة للانطلاق لعمل يترجم ما ورد فيه عن تحصين الجبهة الداخلية إلى واقع ملموس، خاصة على صعيد بناء اليقظة والوعي وتوجيه الرأي العام، وذلك من خلال برنامج فكري حواري بدأت الجمعية بتطبيقه عبر سلسلة من الحوارات الهادفة والمسؤولة مع مؤسسات توجيه الرأي العام والتأثير فيه، بهدف تحريك العاملين في هذه المؤسسات للمساهمة في تحصين جبهتنا الداخلية، وفي هذا الإطار جاء لقاء رئيس الجمعية الدكتور عبد السلام المجالي وعدد من أعضاء الجمعية مع كوكبة من خطباء ووعاظ وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، بحضور وزير الأوقاف الدكتور هايل عبد الحفيظ الذي لم يكتف بالتجاوب مع دعوة الجمعية، بل اقترح تحويل الدعوة إلى برنامج عمل بين الطرفين من خلال تكرار اللقاء ومواصلة الحوار، وبهذا فإن الوزير يحقق أكثر من هدف أولها: التجاوب مع دعوة جمعية الشؤون الدولية لتحصين الجبهة الداخلية، ورفع سوية الوعي عند أبناء مجتمعنا، وهذه واحدة من أهم أدوار المسجد ورسالته. ثانيها: تعريض خطباء ووعاظ وزارة الأوقاف إلى لون جديد من ألوان التفاعل المجتمعي، وإلى مصدر ثقافي ومعلوماتي مختلف عما اعتادوا عليه من خلال التفاعل مع أصحاب تجربة وآراء وأصحاب تجربة عملية وعلمية مختلفة، يتمتع بها أعضاء جمعية الشؤون الدولية، وهي خطوة هامة على طريق التفاعل، ثم الصهر الاجتماعي، ومن ثم تحصين جبهتنا الداخلية.
خلاصة القول: إن جمعية الشؤون الدولية ومن خلال حوارها مع الخطباء والوعاظ في إطار برنامجها الحواريّ الذي شمل وسيشمل إعلاميين، وتربويين، ونقابيين، واقتصاديين تضرب مثلاً يجب ان يحتذى في هذه المرحلة من تاريخنا، من خلال اقتران القول بالعمل.. فلا تكتفي بالدعوة لبناء الجبهة الداخلية، بل تحول هذه الدعوة إلى خطة عمل تستنهض لها الهمم. لعل ذلك يكون بداية لنمط جديد من التفكير والعمل، ومن التفاعل بين مكونات المجتمع الأردني على طريق ترسيخ وحدته وتحصين جبهته الداخلية، وحماية ظهر قواته المسلحة وأجهزته الأمنية التي يجب أن تكون أولوياتنا الوطنية الأولى، ليس بحسب بيان جمعية الشؤون الدولية، بل وحسب خطة عملها التي نعتقد انها تترجم ترجمة صادقة نبض الأردنيين.
&