عبدالله خليفة الشايجي

استكمالاً لمقال الأسبوع الماضي «الملك سلمان.. وتحديات المستقبل»، سنفصل في هذا المقال في بعض تلك التحديات، حيث رحل الملك عبدالله في وقت حرج، وفي ظل تطلعات لاستكمال الإصلاحات التي بدأها الملك الراحل، ومطالب واستحقاقات الشريحة الأكبر من الشعب السعودي وخاصة شريحة الشباب وضغوط التعليم والتوظيف والإسكان والخدمات الأخرى.. مع ما يشكله انخفاض أسعار النفط من ضغط في تغطية تكلفة تلك الخدمات والاستحقاقات. وكذلك ملفات الشأن الخارجي تفرض نفسها هي أيضاً بقوة على الملك سلمان وفريق الشأن الأمني والخارجي.

واضح أن الملك سلمان يولي الشأن المحلي وترتيب وترسيخ أسس البيت الداخلي السعودي أولوية واضحة. وقد تمثل ذلك في الأوامر السريعة التي اتخذها بعد ساعات من توليه مقاليد الحكم. وقد رسخ بخطوتين دالتين نقلة نوعية كبيرة وملفتة وذلك لترتيب هرم القيادة في المملكة، بتثبيت الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد، ولكن المفاجأة ربما كانت بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، مفتتحاً خطوات تسلم الجيل الثالث من أسرة آل سعود قمة هرم الحكم في المملكة مستقبلاً.

&

كما أصدر الملك سلمان 37 أمراً ملكياً يوم الخميس 29 يناير 2015، بعد أسبوع من تسلمه مقاليد الأمور، لاستكمال ترسيخ دعائم الحكم ووضع بصمته على فريق عمله، وقد شكل حكومته الأولى من ثلاثين وزيراً بتغيير 12 وزيراً من الحكومة السابقة، ودمج وزارتي التربية والتعليم العالي، وكان ملفتاً في هذه الحكومة الأولى دخول مجموعة من الوزراء الشباب، والإبقاء على وزراء الخارجية والداخلية والحرس الوطني والنفط والمالية لتأكيد استمرار النهج والطمأنة على ذلك في الداخل والخارج، وأيضاً طمأنة الأسواق التجارية وأسواق النفط والاستثمارات في الخارج على تمسك الملك سلمان بثوابت السياسة السعودية. وقد انعكس ذلك بردة الفعل الإيجابية في الأسواق المالية والنفطية. وجاء هذا أيضاً في أول خطاب له للشعب السعودي، بالتأكيد على الاستمرار في التمسك «بالنهج القويم الذي سارت عليه المملكة منذ نشأتها».

وألغى الملك سلمان 12 مجلساً أبرزها المجلس الأعلى لسياسة التعليم، ومجلس التعليم العالي للجامعات، ومجلس الخدمة المدنية، والمجلس الاقتصادي الأعلى. وأنشأ مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

وكان ملفتاً ومغايراً للتوقعات، بالنظر لتراجع أسعار النفط وتوقع عجز في ميزانية المملكة، ما أصدره الملك من أوامر بتقديم منحة مالية سخية لموظفي الدولة تشمل دفع راتب شهرين لكل موظفي الدولة والمتقاعدين، ومكافأة شهرين للطلبة في الداخل والخارج، وتخصيص وتقديم دعم مالي كبير لقطاعي الماء والكهرباء والنوادي الثقافية والرياضية. وقدرت القيمة المالية لجميع البرامج والعطاءات التي أمر بها الملك سلمان بـ110 مليارات ريال أي 29 مليار دولار.

ومن الملفت أيضاً الأولوية التي يعطيها الملك سلمان للشأن الداخلي وكذلك للشأن الأمني وخاصة أن المملكة تواجه تحدي الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي في بعض الدول الفاشلة كاليمن والعراق وسوريا. ومن المناصب التي أوكلها الملك سلمان للأمير محمد بن نايف، يظهر واضحاً بروز نجمه بعد تعيينه في منصب ولي الولي العهد ووزير الداخلية ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومعه فريق عمل كان آخرهم تعيين خالد الحميدان القيادي في وزارة الداخلية رئيساً لجهاز الاستخبارات، ما يعطي الأمير محمد بن نايف المزيد من الصلاحيات والأدوار في الشؤون الأمنية والشأن الخارجي.

وقد يكون السؤال المطروح الآن هو: كيف ستهندس السعودية استراتيجيتها وسياستها الخارجية تجاه التحديات والتهديدات الملحة، وفي علاقة المملكة مع واشنطن وطهران، وفي مقاربة سياستها مع حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك على رقعة شطرنج الحرب الباردة مع إيران من اليمن إلى بيروت ومن بغداد إلى دمشق. وطبعاً هناك الحرب على «داعش» في العراق وسوريا، وكذلك العلاقة مع مصر السيسي، والتعامل مع تهديد الإسلام السياسي و«الإخوان»، وتراجع أسعار النفط، ونظرية المؤامرة التي تتزعم الحديث عنها موسكو وطهران فيما يتعلق بأسعار البترول. في المقال القادم سنفصل أكثر في التحديات الخارجية، إن شاء الله.
&