خليل علي حيدر
&

على الرغم من هول فاجعة حرق الطيار الأردني الأسير «معاذ الكساسبة» على يد تنظيم داعش الارهابي حيا في قفص، وعلى الرغم من تعاطفنا العميق وتعاطف كل العالم مع اسرة الطيار في مصابها الجلل، فان «الشارع الاردني»، بتطرفه السياسي والديني المزمن والعميق، كان للأسف، بحاجة الى صدمة موجعة كهذه، وبخاصة القطاع العاطفي المندفع منه، لشدة تطرفه وغوغائية شعاراته، وخضوعه الكامل للاسلاميين، المتشددين في العديد من مدن ومناطق المملكة.
وكان المتوقع من هذا الشارع، بعد تجربته عام 1990 مع احتلال الكويت والثمن السياسي والاقتصادي الباهظ الذي دفعه الكثير من الاردنيين والفلسطينيين، وبعد اندفاع الشارع نفسه في تأييد عمليات التفجير والقتل في مدن العراق بحجة مقاومة امريكا والاحتفاء بحرق الجنود الامريكان في «الفلوجة»، بل والتهليل لجرائم «ابو مصعب الزرقاوي» المرعبة ووصول مذابحه الى فنادق عمان، بل وبعد ان دمرت جماعات التطرف الديني والارهابي قضية الشعب السوري، كان المتوقع ان يسترد هذا القطاع توازنه الفكري والعاطفي، وان يكف عن هذه الغوغائية التي تتحكم فيه منذ عشرات السنين.. ولكن هيهات! ففي الامس القريب مثلا، 2014/12/8، قبل شهرين فقط، نشرت المواقع الالكترونية اخبار «دواعش» الاردن وانصار هذه الجماعة ممن غمروا شوارع مدينة «الزرقاء» يهتفون لقائد داعش ابو بكر البغدادي! وكان اهل «معّان» قد رفعوا في 4 يوليو 2014، قبل ثمانية اشهر فقط «صور بن لادن ورايات داعش»، بل جرى الحديث عن ان «متشددين من سيناء وصلوا للمدينة، واستضافهم فيها متطرفون من التيار السلفي من ابناء المدينة».
ولايزال الكثير من الاسلاميين الاردنيين وانصارهم يتحدثون بكل اجلال وتوقير، بمن فيهم الاعلامي المعروف عبدالباري عطوان ضيف محطة BBC الدائم، عن «الشيخ» اسامة بن لادن.
ثم انظر الى خطورة ما يؤكده خبير الحركات المتطرفة، د.محمد ابو الرمان، في الشرق الاوسط، 2014/12/15، من ان «معظم مراجع الحركة السلفية الجهادية في المملكة الاردنية يؤيدون جبهة النصرة، في حين يدعم جيل الشباب الصاعد على نحو متزايد، تنظيم داعش».


فهذا اذن حال الطليعة الشابة من الجماعة السلفية الاردنية، بعد «ثورات الربيع العربي وصعود دور الشباب»، وبعد ان عان الاردن وما يعاني، وما مرت بالبلاد من تجارب.
وكتبت صحيفة الحياة في 2014/10/26، قبل ثلاثة او اربعة اشهر فقط، ان مصادر قيادية في التيار السلفي الجهادي الاردني، قد صرحت بأن «عشرات الشباب السلفيين بدأوا يتوجهون سرا الى العراق للانخراط بتنظيم الدولة الاسلامية داعش، هناك».
وقال القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي د.منيف سمارة لصحيفة الحياة، «ان ذهاب انصار التيار الى ساحات الجهاد لم يعد مقتصرا على سورية، انهم يتوجهون اليوم الى العراق».واضاف ان «غالبية اعضاء التيار الجهادي في الاردن بدأت تعلن بالفعل تأييدها الصريح لتنظيم الدولة – اي داعش – بعد تأييدها السابق لجهة النصرة».
واوضح د.سمارة «ان مئات الشبان الطامحين الى المواجهة والاندفاع، يرون في تنظيم الدولة حاضنا وملاذا لهم».
واذا كان الكثير من السلفيين الاردنيين بهذا الاندفاع للانضمام الى الجماعات الارهابية مثل النصرة وداعش، فلا أستبعد ان يكون بعض اهالي مدينة معاذ الكساسبة نفسها، بل ربما بعض اقارب الطيار، اعضاء في مثل هذه الجماعات، اسوة بالسلفيين الجهاديين الكويتيين والسعوديين والفرنسيين والالمان!
تنظيم الاخوان المسلمين الاردني، على الرغم من مزاعم الوسطية والاعتدال، ليس اقل اندفاعا وغوغائية كما عهدناه، في مجال تغذية الشارع الاردني وصفوف الاسلاميين بالتطرف، ففي عام 1990 كان مع اخوان سورية وفلسطين في مقدمة انصار صدام حسين، وابرز المتظاهرين ضد «الحملة الصليبية» الدولية لتحرير الكويت!
بل لاتزال جماعة حماس تتوارث البيارق والصور العزيرة.


كما قام بعض قيادات الاخوان الاردنيين بتعزية اقارب فقيد الجهاد وشهيد الامة، الارهابي المعروف ابو مصعب الزرقاوي، عندما قُتل في العراق.
وفي دراسة بعنوان «صعود وانحسار الاسلام السياسي في الاردن»، كتب الباحث الاردني ابراهيم غرايبة، ان الجماعة المهيمنة على الصف الاخواني، والفئة ذات التأثير التنظيمي، وان كانت تراجعت عن الواجهة منذ عام 1990 «هي تشكيلات فكرية وسياسية اقرب الى حزب التحرير وافكار سيد قطب».(مجلة الديموقراطية، العدد 54، ابريل 2014).
وهكذا نرى شباب الاردن الاخواني والسلفي في مقدمة ضحايا المزايدة بين الجماعتين! ونرى تفكيرهم خليطا من افكار وشعارات حزب التحرير وسيد قطب، وابو بكر البغدادي شيخ داعش!
كل هذا الاندفاع في تأييد التطرف والارهاب، في دولة كالمملكة الاردنية الهاشمية، التي كانت على امتداد سنوات طويلة في مقدمة اركان الاعتدال والاستقرار في المنطقة العربية ولاتزال، كما انها الدولة التي قدمت لكل للدول، وبخاصة البلدان الخليجية، خبراتها في شتى الميادين من مدنية وعسكرية.
يقال ان سبب تطرف الاردنيين الفقر والبطالة ورواتب داعش ونسبة الفلسطينيين العالية في الاردن، ولكن لماذا نرى كل هؤلاء الكويتيين والخليجيين في صفوف داعش والنصرة، وبين مؤيديهما بل وبين الجماعات الارهابية في العراق، بل وفي قيادات تنظيم القاعدة منذ عام 2001.. على الأقل!
لنعترف بأن ثمة مشكلة عويصة مسكوت عنها.. في ثقافتنا الدينية، في المنزل والمسجد والمدرسة والحياة السياسية والاعلام.


&