عطاء الله مهاجراني

ربما شاهدتم جميعا آخر إنجازات «داعش»! لقد شاهدته عن نفسي وبقلبي ألم لا حدود له، حيث وضعوا الطيار الأردني معاذ الكساسبة في قفص وحرقوه حيا. في البداية حاول إخفاء وجهه بيديه، لكن ألسنة اللهب حاصرته سريعا. وأخذ يتحرك وينحني ويجلس، بينما شاهدنا نحن يديه وأصابعه تحترق ويتحول لون جلده إلى الأسود. وجرى نشر مقطع حرق الكساسبة من قبل قاعدة البيانات الأمنية التابعة لـ«داعش»، واختاروا أن يطلقوا على هذا المقطع «شفاء للصدور». وخلال هذا المقال أود التركيز على هذا المقطع وعنوانه، ثم سأنتقل خطوة أخرى وأركز على آيديولوجية «داعش» بوجه عام.


ردا على قتل الطيار الأردني الذي أعلن عنه الثلاثاء 3 فبراير (شباط)، أعدمت السلطات الأردنية سجينة بارزة تتبع تنظيم القاعدة لتورطها في مخططات لشن هجمات داخل الأردن الموالية للغرب العقد الماضي، هذه السجينة هي ساجدة الريشاوي، وهي مسلحة عراقية حكم عليها بالإعدام لدورها في تفجير انتحاري عام 2005 أسفر عن مقتل 60 شخصا. أيضا، أعدم زياد الكربولي، وهو عميل عراقي لحساب «القاعدة» أدين عام 2008 لقتله أردنيا.
ويكشف ذلك أن الأردنيين في رد فعلهم أرادوا إظهار القبضة الحديدية أمام «داعش»، أو تطبيق مبدأ العين بالعين. وقد عاينا تدفق مشاعر التعاطف على مستوى العالم نتيجة مقتل الكساسبة. وغني عن القول إنه ليس بإمكان أحد الدفاع عن مثل هذا العمل الهمجي باسم الإسلام والقرآن. والتساؤل الذي يفرض نفسه هو: أي نمط من الإسلام يؤمن به «داعش»، وما مبررهم لمثل هذه الأفعال الهمجية الغريبة؟
في 4 فبراير، قرأت غالبية المقالات التي نشرتها الصحف الأردنية، مثل «الدستور» و«الرأي». ومن الواضح أن التساؤل سالف الذكر شغل أذهان الكثير من الصحافيين والكتاب الأردنيين. مثلا، في مقال بعنوان «أي إسلام هذا؟»، تحدث الكاتب محمد حسن التل بصراحة عن شكوكه بخصوص جذور وهوية الإسلام الذي ينتهجه «داعش». ويقول الكاتب: «أي إسلام هذا يدعيه هؤلاء القتلة المجرمون، الذي يسمح لهم بحرق مسلم موحد وهو حي، وإزهاق روح إنسانية بريئة، والتمثيل بجثة مؤمن بالله.


أي إسلام هذا الذي يدعيه هؤلاء المجرمون، وهم ينتهكون كل الحرمات والمحرمات، بكل الشرائع السماوية وقوانين الأرض».


وقد طرح الكاتب التساؤل، لكنه لم يقدم إجابة. وحاول صحافي أردني آخر الاقتراب من هذه النقطة، وذلك في مقال عصام قضماني بصحيفة «الرأي» في 4 فبراير، حيث قال: «الفكر الذي يقف وراء الطريقة البشعة التي نفذ بها التنظيم الإرهابي داعش جريمته البشعة بحق الشهيد الطيار الحربي الكساسبة يجب أن يستأصل».


وفي ذلك إشارة لتفسير الإسلام باعتباره آيديولوجية عنف وقتل للأبرياء، والذي يطرحه «داعش» وأنصاره. مثلا، إذا أنصت لبعض خطب الشيوخ - من دون ذكر أسماء - ستجد أنهم يصوغون إطارا نظريا لهذا التفسير الغريب. وستجد أن الموت والكراهية يشكلان لب آيديولوجيتهم. إنهم يستمتعون بمشهد معاناة الآخرين. لماذا أطلق «داعش» على مشهد حرق الطيار «شفاء للصدور»؟ من أين يأتي هذا المصطلح؟ تلك هي المشكلة التي يجب أن نواجهها ونتعامل معها.


لدى بلزاك فكرة جيدة للغاية في هذا الخصوص، حيث يقول إنه أحيانا يتعين علينا الاعتراف بوجود جرح خطير في وجهنا ليس بمقدورنا إنكار وجوده أو إخفاؤه. وإنما ينبغي علينا الاعتراف بوجوده ومحاولة علاجه. كما ينبغي علينا كشفه وإظهاره. وللأسف، هذا ليس جرحا في وجوهنا فحسب، وإنما هو جرح غائر في عقولنا وقلوبنا، وهو نتاج أسلوب منهجي تحول لآيديولوجيا. وإذا رغبنا في التعرف على جذور «داعش» و«القاعدة» و«طالبان»، ينبغي أن نتفهم أولا أسلوب تفكيرهم والمنهجية التي يتبعونها.


ودعونا نعود للمقطع المصور الخاص بحرق معاذ، حيث جرى اقتباس عنوانه، «شفاء للصدور»، من آية قرآنية وهي: «قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين» سورة التوبة - آية 14.
علاوة على ذلك، اقتبسوا فقرة من آراء ابن تيمية لتبرير عملهم الهمجي. إلا أنه لحسن الحظ صدر صوت موحد من علماء المسلمين يندد بـ«داعش»، ويرفض بالإجماع تفسير «داعش» لمقولة ابن تيمية.


وقد قال ابن تيمية: «فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان وزجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع». ورد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية (أعلى هيئة شرعية بالأزهر)، على ذلك بأنه تأويل فاسد مخالف لشرع الإسلام.


وأعتقد أن محمد الشحات هنا لمس جوهر الكارثة، حيث تكمن المشكلة في القراءة الخاصة لـ«داعش» وتفسيرها للنصوص الدينية، بما فيها القرآن.


الواضح أن مسؤولية كبرى تقع على عاتق العلماء المسلمين، حيث يتعين عليهم إعلان آرائهم بخصوص «داعش» و«القاعدة». في الواقع، فإن القرآن والحديث يمكن تفسيرهما بأوجه كثيرة. وكما يقول الرومي فإن القرآن مثل الحبل يمكنك أن تصعد به إلى السماء أو تنزل به لقاع بئر. ويشيع في الأحاديث النبوية أن الدين هو الحب في الله.


إننا نواجه جماعة تؤمن أن الإسلام ليس سوى القتل والمعاناة وكراهية الآخرين. وينبغي أن نرسم خطا فاصلا واضحا بين الإسلام الحقيقي وهذا التفسير الكاذب. وينبغي أولا أن ندرك منهجية «داعش»