&&خلف أحمد الحبتور

&

حقّق المتمردون الحوثيون الشيعة المدعومون من إيران هدفهم المنشود الذي يسعون اليه منذ وقت طويل فيما كان العالم العربي غارقاً في سبات عميق. فقد سيطروا على البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء، تحت ذريعة السعي إلى إقامة حكومة أكثر تمثيلاً للأفرقاء. فبعد الضغط على الرئيس عبد ربه منصور هادي ودفعه نحو تقديم استقالته في 22 يناير الماضي إبان الاحتجاجات المسلّحة والاعتصامات التي قام بها الحوثيون واستيلائهم على مبانٍ حكومية، عمدت المليشيا الحوثية إلى حل البرلمان واستبداله بمجلس ثوري مكونّ من خمسة أعضاء.


وقد أدان جميع الأفرقاء السياسيين اليمنيين الخطوة التي يُرجَّح أن تؤدّي إما إلى حرب أهلية شاملة وإما إلى تفكّك البلاد. ثمة خطر حقيقي جداً بأن تتسبّب الهشاشة السياسية والمذهبية بتشريع الأبواب أمام تنظيمَي «القاعدة» و«أنصار الشريعة» وسواها من الجماعات الإرهابية لكسب موطئ قدم اكبر مما كانت عليه مما قد يتيح لها توسيع حضورها وانتشارها في البلاد، ولا شك فيه أن سيطرة الأقلية الشيعية ستسهم الى حد كبير في زيادة التجنيد ضمن تلك المجموعات.
ما يجري لا يهدد مستقبل اليمن كدولة سيادية موحّدة وحسب، بل تترتّب عنه تداعيات أوسع على المنطقة بأسرها. فقد أعيد رسم الخريطة الجيوسياسية الإقليمية بما يؤدي إلى تعزيز الأطماع الإيرانية أكثر فأكثر على حساب دول الخليج السنّية، ناهيك عن أن «حكومة» يقودها الحوثيون تشكّل تهديداً خطيراً للأمن القومي السعودي.
من الواضح أن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تشعر بالقلق الشديد ازاء هذا الوضع. فقد حذّر المجلس من أنه «من شأن هذا الانقلاب أن يؤدّي إلى إغراق البلاد في نفق مظلم»، معلناً أنه سيتّخذ كل الخطوات اللازمة لحماية مصالحه من دون الخوض في التفاصيل. وناشد المجلس أيضاً المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي المساعدة في حل الأزمة، والذي لم يتجاوب لحد الآن أزاء هذه الأحداث.
أشعر بالصدمة لأن أمين عام مجلس التعاون الخليجي انتظر طويلاً قبل أن يصدر عنه موقف علني رداً على هذا التهديد، وسوف يخيب ظنّه إذا كان يعتقد أن مجلس الأمن الدولي أو الحلفاء الغربيين، كما يُسمَّون، سيعيرون آذاناً صاغية لندائه - ولاسيما في هذه المرحلة بالذات التي يسعى فيها الغرب إلى التقرّب من إيران أكثر من اهتمامه بتطهير المنطقة من المليشيات الإرهابية.
غنيٌّ عن القول إنني أشعر بإحباط شديد على المستوى الشخصي لأنه لم تُتّخذ الإجراءات المناسبة قبل وقت طويل للحؤول دون وصول الأمور إلى هذه الحالة المتوقّعة. لطالما ناقشت وعلى مدى سنوات هواجسي مع صنّاع قرار بارزين وكتبت مقالات عديدة عن اتّجاه الحوثيين نحو الاستيلاء على السلطة فيما ناشدت دول الخليج بشدة التعامل مع تلك المسألة بالجدّية التي تستحقها.
لكن لسوء الحظ، لم تلقَ تحذيراتي هذه آذاناً صاغية. إذا استطاع رجل أعمال مثلي أن يقرأ المكتوب من عنوانه ويتوقّع مسار الأحداث، فلماذا فشل المستشارون السياسيون والمحللون الاستخباراتيون في ذلك؟ لماذا ننتظر دائماً حتى يصل السيف إلى أعناقنا قبل أن نفكّر في اتخاذ إجراءات وقائية؟


في الأول من إبريل 2010، نشرت مقالاً بعنوان «اليمن يحتاج إلى المساعدة لا إلى الانتقادات» اعتبرت فيه أن اليمن الذي يتفشّى فيه الفقر على نطاق واسع معرّض للانضمام إلى لائحة الدول الفاشلة. وانتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون بسبب حرمانها اليمن من المساعدات الدولية، لافتاً إلى أنه «لا بد من أن لهجتها التحقيرية لها وقع الموسيقى في آذان قادة المعارضة والمتمردين والمتطرفين والانفصاليين». أضفت: «بدلاً من الوقوف مكتوفي الأيدي والتفرّج على اليمن ينزلق ليلاقي مصيراً شبيهاً بالعراق أو يتحوّل مرتعاً للقراصنة عصياً على الحكم كما الصومال، ينبغي على العالم العربي أن يقف إلى جانب القيادة اليمنية قبل فوات الأوان».
وفي 29 نوفمبر 2011، حذّرت في مقال آخر حمل عنوان «حذارِ العواقب غير المرجوة للانتفاضة اليمنية!» من أن الحوثيين يضمرون «أجندة توسّعية» ويسعون إلى فتح طريق عبر البحر الأحمر لاستيراد الأسلحة الثقيلة بهدف الهجوم على العاصمة اليمنية والتسلّل منها إلى السعودية.
وكتبت أن «كره الحوثيين للسعودية معلوم جيداً، وأنا أعتقد أنهم أعدّوا خطة مع الملالي الإيرانيين لتهريب الأسلحة والإرهابيين عبر الحدود إلى السعودية من أجل شن هجمات إرهابية الهدف منها زعزعة استقرار المملكة ما إن يحصلوا على الضوء الأخضر من طهران لمحاولة تدمير مجتمعاتنا السلمية في مجلس التعاون الخليجي».
ثم في 25 سبتمبر الماضي، تطرّقت في مقالي بعنوان «المخطط الإيراني يتقدّم فيما العرب غافلون» إلى تباهي عضو مجلس الشورى الإيراني، علي رضا زاكاني، بأن ثلاث عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت) أصبحت الآن بيد إيران وتابعة للثورة الإسلامية الإيرانية، مضيفاً أن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي تتجه نحو الالتحاق بالثورة الإيرانية.
وجاء في المقال: «لقد سقط اليمن - الذي يُعتبر أنه مهد الأمة العربية - في أيدي الحوثيين الشيعة، وهم انفصاليون سابقون تحوّلوا الى إرهابيين، ولم يعودوا يكتفون بالسعي للحصول على حصّة من الكعكة، بل يريدون الآن أن يلتهموها كاملةً». وتابعت: «لقد ساعدناهم على تحقيق أطماعهم، بسبب تردّدنا في الوقوف إلى جانب الحكومة اليمنية في مواجهة هذه الدمى الإيرانية الإرهابية».
تكشف الفقرة الأخيرة في المقال المنوه عنه اعلاه عن هواجسي المتعاظمة: «لا يسعني سوى أن أتمسّك بالأمل بأن بعض بلداننا تتحرّك الآن لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وبأن جيوشنا وقواتنا الجوية ستقوم بتوسيع عملياتها لاستعادة سوريا والعراق ولبنان واليمن قبل أن يتحوّل العالم العربي السنّي مجرد ظلال في ليلٍ فارسي حالك السواد».
وقد بذلت في مقالي الأخير المنشور في 29 ديسمبر 2014 تحت عنوان «عام 2014: غياب القيادة العالمية»، محاولة أخيرة لإقناع القوى العالمية بالمبادرة إلى اتخاذ خطوات حاسمة. وتوجّهت في شكل أساسي إلى الرئيس أوباما محاسباً إياه على فشله في الحؤول دون تحوّل اليمن مركز نفوذ إيرانياً بعد استيلاء المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء «تماماً كما تخلّى من قبل عن السوريين وتركهم تحت رحمة واحد من أكثر الدكتاتوريين همجية في تاريخ العالم لينهال عليهم بالصواريخ والهجمات الكيميائية ويزجّهم في السجون».
ربما وقع الضرر، لكن على الرغم من ذلك، يجب ألا نرفع أيدينا استسلاماً وندع الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ أو نجلس ونحتسي الشاي أملاً في أن يظهر فرسان أمريكيون فجأةً وينقذوا الموقف. أمريكا وأصدقاؤها منهمكون بمهامهم الخاصة التي قد تتعارض إلى حد كبير مع مصالحنا. نحن نملك الاستخبارات والقوات والأسلحة والقوة الجوية والنضوج الكافي لنقطع بأنفسنا رؤوس الأفاعي في اليمن والعراق وسوريا - سواء كانت عصابات الأسد أم إرهابيي «الدولة الإسلامية». الشيء الوحيد الذي ينقصنا هو القرار؛ قرار مشترك تتخذه جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بالقيام بما يلزم قبل أن تبدأ الأفاعي نفسها المخطَّطة بمائة لون ولون ببثّ سمومها باتجاهنا.
&