هيفاء صفوق

شهد العالم بأسره محرقة الطيار الأردني معاذ الكساسبة بكل وحشية وتجنٍ على حرية الإنسان، وحقوقه في العيش بكرامة في هذه الحياة.

&

على رغم قسوة الموقف والمنظر، إلا أنني أشاهده من زاوية أخرى، ليس في عقلية الفكر الداعشي فقط، بل في كل فكر تكفير وحشي يقتل الإنسانية فينا.

&

أفعالهم تتحدث عنهم، وتوضِّح للعالم بأسره مدى همجيتهم وضحالة فكرهم، وأنهم جبناء يتخذون الدين وسيلةً لتحقيق غاياتهم السلطوية، وحب التملك والسيطرة على الأفراد، ومحاولة إرجاع الناس إلى التخلف، وإلى عالم خالٍ من الإنسانية. الأفعال التي يقومون بها بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي. أفعال تنم عن شخصيات مريضة، همها الوصول إلى هدفها بأي وسيلة؛ لذا تراق الدماء بوحشية، وتقطع رؤوس الأبرياء من دون رحمة؛ محاولة منهم لترهيب الآخرين أو تخويفهم، لكن كل ذلك لن يأتي بنتيجة، بل هم يثبتون للعالم كم هم بعيدون جدا عن كل الأديان، فالأديان السماوية تدعوا إلى السلام والمحبة والتسامح. وهم يدعون إلى الحرب والفرقة ونبش قبور الجهل والتخلف.

&

من يشاهد أفعالهم في استغلال النساء بأحكامٍ شرَّوعها بحسب أمزجتهم، وهي بعيدة عن الحقوق الإنسانية والدينية. هذه صور توضح للعالم، ومن يؤيدهم في جحورهم؛ فكرهم المتطرف والإرهابي، الذي لا يهتم بكم يموت؟ وكم يقتل؟ وكم من دولة إسلامية تهدم؟ هم لم يتجاوزا شهوات الجسد وشهوات السلطة التي تحقق رغباتهم الدنيوية.

&

هم مكشوفون الآن، ليس على العالم سوى ذكر أفعالهم ونقل الصورة فقط كما هي، والعاقل يفرق بين الخير والشر. جميعنا يشاهد كيف يذهب الشباب ضحايا باسم الدين والجهاد، والدين بريء منهم.

&

نحتاج إلى خطط مدروسة وشاملة تبدأ بالفكر نفسه، أي نحارب الفكر المتطرف والإرهابي بالفكر الإنساني المعتدل والخير، من خلال توعية شاملة في جميع قنوات المجتمع. ابتداءً من المناهج الدراسية، ومراقبة ماذا يوجد هناك بين سطورها. ومن يقوم بشرحها وإعطائها وتدريسها لأبنائنا. من هم الذين يوجدون مع أبنائنا في المدارس والجامعات والمساجد والمؤسسات، لا بد من أن تكون خطة عميقة؛ لاجتثاث فكرة التطرف من الجذور.

&

نحن الآن نتفرج على ماذا يحدث في حدودنا من وحشية مضلة منحرفة؟ لكن ماذا عملنا نحن في الداخل؟ نحتاج إلى هزَّ الغربال بقوة الآن، أفضل من أن يبدأوا هم بهز الغربال في أبنائنا وبناتنا أكثر من ذلك. وجميعنا نشاهد حال السكوت والصمت في كثير من المواقف البشعة، لا بد من أن يكون هناك صوت للحق واضح وصريح، وهو ما يجعلنا نتأمل البواطن الداخلية لدينا، أهي سليمة، أم هناك شائبة تشوبها؟ لأنها لن تحرق نفسها بفكرها الضال والمتطرف، بل ستحرق الأرض ومن عليها.

&

نحتاج إلى يقظة عالية وقوية للتصدي لظلام الداخل والخارج، يجعلنا نتأمل -أيضاً- بتجرد تام، ماذا يحتاج إليه شبابنا هؤلاء؟ هل هو البحث هن الهوية المفقودة في مجتمعنا بسب جهلنا بكيفية تربية أبنائنا وإعطائهم القيمة الحقيقة للإنسان؟

&

أضعنا الاحترام والتعامل معهم من زوايا ضيقة، علاقتنا لا تخرج عن الأمر والنهي والتحقير الداخلي لذواتهم، إذ سلب منهم أهم الأشياء وهو حب الحياة والثقة في النفس. فجعلناهم محصورين في جمود الفكر، إذ استطعنا بامتياز في تلقينهم المعلومات المغلوطة في الحياة، إذ أصبحوا كالآلات نتحكم بهم من دون أن ندرك، فلا نعطيهم قيمة لأفعالهم أو خططهم، أو حتى كيف يستغلوا وقت فراغهم، وهو ما سهل على المتطرفين استغلال هذه النقاط في جوهر تفكيرهم، واتكالهم على الآخرين ليفكروا عنهم من دون الاعتماد على أنفسهم. ولقد استطاعوا أن يوهموا الشباب في بحثهم عن هويتهم في إثباتها عن طريق الالتحاق بفكرهم الإرهابي، إذ يشبع لديهم هويتهم (من نكون؟ وماذا علينا فعله؟) وسواءً بتفجير أنفسهم أم بالدخول في ساحات المعركة، وهم -للأسف- تائهون غير مدركين خطط من يتصيدهم.

&

لا بد من العمل على توعية الأسر بكيفية التعامل مع أبنائهم، واحترامهم واحتوائهم وملء أوقات فراغهم، والأهم من ذلك إشباعهم بالحب، وإيضاح هويتهم، من يكونوا وماذا عليهم فعله؟ لأنهم طاقة جبارة تحتاج إلى الرعاية والتوجيه السليم. علينا العمل من الجذور لا السطح فقط. من هنا يبدأ بناء الحضارات باحترام إنسانيتهم وكرامتهم، من دون قمع أو تسلط أو ضياع حقوقهم أو تهميش دورهم في أسرهم أو مدارسهم أو جامعاتهم.

&

الفكر هو الأساس وهو المحرك لكل تقدم في هذه الحياة. والوعي يكون في محاربة الفكر الضال بالفكر الحر الواعي السليم.
&