جهاد الخازن

أُكمل من حيث توقفت أمس في حديثي عن الإجتماع التاريخي بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلن ديلانو روزفلت، متوكئاً على كتاب الوزير المفوض وليام إدي الذي ترجم بين الزعيمين وحضر كل إجتماع لهما.

&

الرحلة من جدة على المدمرة الأميركية مورفي بدأت في 12/2/1945 واستغرقت يومين، واستقبل الرئيس روزفلت ضيفه على متن المدمرة الأميركية كوينسي، وبقيا معاً يومين، مع أن الرئيس كان متعباً بعد اجتماعه مع ونستون تشرتشل وجوزف ستالين في يالطا، وتوفي بعد الاجتماع التاريخي في البحيرات المرّة بثمانية أسابيع فقط.

&

قامت علاقة ود وثقة من اللحظة الأولى، والملك عبدالعزيز قال للرئيس إنهما توأمان، فهما في العمر نفسه تقريباً، وكلٌ منهما رئيس دولة يدافع عن شعبه ويحمي مصالحه، وكلاهما مزارع في قلبه، وكلٌ منهما يعاني من مشكلات صحية. ردّ روزفلت بأن الملك عبدالعزيز صحيح ويمشي على قدميه أما هو فمُقعَد يتنقل على كرسي بدواليب. وردّ الملك أنه يعاني من إصابات في حروبه، ويمشي ويتألم، أما الرئيس فمرتاح. وكان أن أهدى الرئيس الملك كرسي المُقعدين الاضافية التي كانت معه.

&

قبل أن أكمل أريد أن أسجل أن الإدارة الأميركية كانت أرسلت الكولونيل هارولد هوسكنز، من الاستخبارات، الى الملك عبدالعزيز في تموز (يوليو) 1943، وطلبت منه أن يقابل حاييم وايزمان وزعماء الصهيونية فرفض، ومنع المسؤولين السعوديين من مقابلتهم.

&

أنقل مرة أخرى عن وليام إدي:

&

«روزفلت قال إن عنده مشكلة كبيرة ويريد أن يسمع من الملك نصحه ومساعدته، والمشكلة هي إنقاذ اليهود وإعادة تأهيلهم بعد أن تعرضوا لعذاب فظيع لا يوصَف على أيدي النازيين، طرد وتدمير البيوت وتعذيب وقتل جماعي (تعليقي الشخصي هو أنه لو كان الاجتماع بين القائدين عُقِد أمس لقال الملك للرئيس إن هذا ما يعاني الفلسطينيون على أيدي حكومة اسرائيل النازية الجديدة).

&

روزفلت قال إنه يحمل مسؤولية شخصية وقد ألزم نفسه بالمساعدة على حل المشكلة فماذا يقترح الملك.

&

ردّ إبن سعود فوراً وباختصار: أعطهم والمتحدرين منهم أفضل أرض وبيوت الالمان الذين إضطهدوهم.

&

قال روزفلت إن الناجين اليهود تملكهم عاطفة للإستقرار فــي فلسطين، وهم يرتعبون من البقاء في المانيا حيث قـــد يعانون من جديد.

&

قال الملك إنه لا يشكّك في أن اليهود لا يثقون بالالمان، ولكن بالتأكيد سيدمر الحلفاء القوة النازية الى الأبد، وهم بعد إنتصارهم سيكونون قادرين على حماية ضحايا النازية. إذا كان الحلفاء ليسوا واثقين من أنهم سيسيطرون على سياسة المانيا في المستقبل فلماذا حاربوا؟ هو، أي إبن سعود، لا يفهم أن يُترَك العدو في وضع يستطيع منه أن يعود الى العدوان بعد هزيمته.

&

عاد روزفلت بعد دقائق الى الهجوم وقال إنه يعتمد على الضيافة العربية لحل مشكلة الصهيونية، إلا أن الملك قال: إجعلوا العدو المضطهِد يدفع الثمن. هكذا يشن العرب حروبهم. التنازلات يجب أن يقدمها المجرم لا الناس الأبرياء. كيف جرح العرب اليهود في أوروبا؟ إن المانيا المسيحية سرقت بيوتهم وأرواحهم. دَعْ الالمان يدفعون.

&

الرئيس شكا من أن إبن سعود لا يساعده وردّ الملك بسخرية أنه لا يفهم هذا التعاطف مع الالمان، فهو بدوي غير متعلم يراعي حلفاءه لا أعداءه، والتقليد العربي أن الخاسر يدفع للمنتصر».

&

هكذا كان فرانكلن ديلانو روزفلت وهكذا كان الملك عبدالعزيز آل سعود. أبناء الملك هم حَمَلة الأمانة.
&