خليل علي حيدر

ما الذي جرى في مصر قبل أربع سنوات، في 25 يناير 2011؟ هل كان ثورة تاريخية أم مجرد «انتفاضة شعبية واسعة»، تبعتها أحداث وصولاً إلى 30 يونيو 2013؟ لن ينتهي هذا الجدل في المستقبل القريب بسبب الاختلاف حول تعريف «الثورة» و«الانتفاضة» من الناحية الكمية والكيفية. فأنصار نظام مبارك، في تحليل الكاتب المصري محمد شومان، يعمدون إلى تصوير أحداث السنوات الأربع على أساس أن أحداث 25 يناير لم تكن ثورة، وإنما مؤامرة إخوانية، مدعومة من «حماس» و«حزب الله» وإيران وقطر وتركيا وأميركا، للإطاحة بمبارك وهدم أركان الدولة، وإدخال مصر في أتون حرب أهلية تهدف لتقسيم الوطن.. وبالتالي فإن 30 يونيو وتدخل الجيش وتفويض السيسي هي الثورة الحقيقية، لأنها أنقذت مصر من مؤامرة «الإخوان» وشباب الثورة الذين تلقوا –حسب تلك الرواية– التدريب والتمويل والدعم السياسي والإعلامي من الخارج بغية هدم أركان الدولة المصرية.

لكن إن كان هؤلاء المتآمرون على ذلك القدر من الذكاء والحنكة وحسن التخطيط، والجمع بين مصالح إيران وأميركا وتركيا و«حماس».. فلماذا فشلوا هذا الفشل الذريع؟ ولماذا فاز السيسي والجيش المصري بكل المغانم؟ وماذا عن استياء المصريين على مدى سنوات طويلة من سوء الأحوال وتردي الأوضاع والفساد ونوايا «التوريث» وغيرها؟

&


برزت في التجربة المصرية وباقي تجارب «الربيع العربي» بعض القوى «الإسلامية»، كخطر دائم داهم، لأن أهدافها معاكسة تماماً لمطالب شعوب هذا العصر. فالإسلاميون خطر يهدد نجاح أي حركة تغيير سياسية اجتماعية كبرى، فهم لا يكفون عن التخطيط والتآمر للوصول إلى السلطة، كما رأينا مع حسن الترابي الذي أمضى سحابة عمره في مثل هذه المحاولات! وهم خطر يهدد مستقبل المجتمع الحديث والدولة العصرية إن وصلوا إلى السلطة، إذ تهيمن على عقولهم أفكار ومصطلحات لا تصلح لهذا العصر، مهما جرى تزيينها وزركشتها.

هذا ما تعلمناه من الثورة الإيرانية (1979)، والتي هيمنت عليها القوى الدينية التي بالكاد نجت منها التجربة المصرية، فيما كان المحللون والمتابعون لمصر وأحوال ثورتها.. بين مصدق ومكذب!

ولو كانت ثمرة مصر اليانعة قد وقعت في حضن «الإخوان» ودامت لهم الهيمنة، لأصبح لمصر، في أيديولوجيتها «الإسلامية»، نظام أخطر من إيران بكثير. وإذا كان التحرك الإيراني محدوداً لأسباب قومية ومذهبية، فإن مصر الإخوانية كانت ستكون منبع تصدير دائم للثورة الإسلامية.

الخطة الإخوانية الراهنة في مصر، كما تعتقد الإعلامية المصرية «أمينة خيري»، ترمي إلى إيهام قواعد الجماعة «بأن الجانب الأكبر من المصريين يدعمهم»، ومن لا يفعل فهو خائف جبان أو عميل مهان. ولا تخلو الصورة الإخوانية المرسومة، تضيف الكاتبة، «من لون طائفي لقواعدهم من الغارقين في التشدد، ممن يعتبرون أن المسيحيين الداعمين للنظام الحالي هدفهم إقامة الدولة القبطية، ومحو الشريعة الإسلامية!».

ما مكاسب الشعب المصري بعد هذه العاصفة الثورية التي يقول الكثيرون إنها اقتلعت أشجار النظام وعجزت عن اجتثاث جذوره؟

يرى «شومان» أن مؤسسات الدولة عادت للعمل، مع الحفاظ على هيبتها وتقاليدها الراسخة. غير أن هذا المكسب الذي يدعم الاستقرار، يحمل في اعتقاد شومان نقيضه، حيث لم يتم دمج قيم ثورة يناير وتفعيلها في مؤسسات الدولة التي لم تصلح من نفسها، وإنما أبقت على الأداء البيروقراطي العتيق، مع الاعتماد على الحلول الأمنية.

والثابت أن خطاب الحكم الحالي يركز على أولوية الحفاظ على مؤسسات الدولة ومحاربة «الإخوان» والإرهاب وإنقاذ الاقتصاد.

ومن مكاسب هذه الثورة أيضاً، في تحليل الكاتب نفسه، «قدرة الشعب على الثورة والتغيير، وثقته في قدراته على التحرك ضد أي نظام سياسي استبدادي». فخلال أربع سنوات راكم المصريون «خبرات وقيماً تشكل قاعدة أساسية لثقافة سياسية جديدة، كان يمكن أن تتطور وتندرج في إطار نظام سياسي وحزبي فاعل، لولا إرباك الإخوان والإرهاب للمشهد السياسي، ولولا تعب غالبية المصريين من كثرة التظاهر والمشاركة في الانتخابات من دون أن يحصلوا على مكاسب محددة».

أما ثالثة المكتسبات الأساسية في هذه التجربة المصرية، فكانت انكشاف جماعة «الإخوان» باعتبارها جماعة منغلقة على نفسها، توظف الدين في السياسة، ولا تملك مشروعاً سياسياً يستوعب كل مكونات المجتمع، وبالتالي فإن فشلها في حكم مصر شكَّلَ فضحاً لقدراتها المحدودة في التعامل مع مشكلات المجتمع.

وأخيراً ثمة مكسب «كتابة دستور جديد يؤكد مدنية الدولة، والتوازن بين سلطة الرئيس والحكومة والبرلمان، مع النص على العديد من الضمانات التي تمنع الاستبداد والانفراد بالسلطة، وتكفل استقلال القضاء وحرية الرأي».

ولكن هل ستنجو هذه المكاسب من «تقاليد مصرية متوارثة في إدارة قوانين تأتي بتفاصيل وقيود تقتل روح الدستور»؟
&