فهد عريشي

الإرهاب كلما اتجه نحو العرق الغربي فإنه يتميع معناه الأصلي ويتبلور ويتلون حتى يصبح معنى آخر، يصبح في أحسن الأحوال جريمة عنصرية، لكن لا يمكن أبدا وصفها بالإرهاب!

&


لتعزيز أي فكرة يجب أن يكون لها مناصر قوي، ولا يوجد أقوى من آلة الإعلام، هذه الآلة التي آمن بقدراتها الغرب فاستغلها بتفوق عالمي ينتصر بها ويستند عليها في غاياته وأهدافه. لم يركنوا في استخدامهم لهذه الآلة على اختصاص القنوات الإخبارية فحسب بل امتد ذلك إلى عالم السينما ومواقع التواصل الاجتماعي، يستطيعون أن يوهموا الرأي العالمي في ليلة واحدة أنه يجب التدخل البري في دولة ما، في اليوم التالي يعززون صورة الجيش الغربي الذي ينصر المظلومين ويحمي الأطفال والنساء وكبار السن.. في اليوم الثالث يقنعونك بمبررات الانسحاب وتسليم السلطة لحكومة انتقالية، ومن ثم ينقلون لك على مدار الساعة أخبار العراك على السلطة وتعزيز نمطية الإرهاب في هذه الدولة وحصرها في ديانة واحدة وعرق واحد.


العالم الشرقي الذي أقصد به هنا العالم الإسلامي العربي لا يملك حتى الآن قوة مضادة لآلة الإعلام الغربي، نقف باستسلام كامل. يتم تصنيف الأحداث في العالم وفقا لمعايير الإعلام الغربي ونترك لهم المسميات.. يستطيعون مثلا أن يسمو جريمة "شارلي إيبدو" لأن من قام بالعملية الإرهابية مسلمون، ويعززون الصورة التي توحي بأن المسلم يعشق قتل الأبرياء، ويؤججون الرأي العام الدولي ضد كل ما يمت بصلة للإسلام والمسلمين، ونترك لهم أيضا تصنيف مجزرة "شابيل هل" التي قام بها رجل غير مسلم بأنها مجرد جريمة قتل إثر خلاف على موقف سيارات!
جريمة أو مجزرة "شابيل هل" التي راح ضحيتها ثلاثة من شباب العالم الإسلامي العربي والتي قام بها رجل أميركي نشر قبل أيام من جريمته عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي عبارات معادية للأديان، ماذا لو كانت العملية هنا عكسية؟ لو أن الضحايا هم ثلاثة من الشباب الأميركيين ومن قام بالجريمة هو رجل مسلم؟ كيف ستكون تغطية الإعلام الغربي لهذه الجريمة؟!
أترك الإجابة والتصورات لكم.


يقول رئيس البوسنة والهرسك علي عزت بيجوفيتش في وصفه لاستخدام -المانفستو الشيوعي- لآلة الإعلام كقوة: "يحتكر جميع قنوات المعلومات كالراديو والصحافة والتلفزيون، ويجعلها تتغنى بالديموقراطية والحرية والإنسانية والخير العام، والمستقبل الزاهر وعن فضائل القادة ورجال السلطة، وأن يحتل دولا أجنبية ثم يزعم أن الاحتلال قد تم بإرادتها الحرة، وكان على أجهزة الإعلام أن تكرر هذا بإلحاح من أجل انتصار مصلحة الطبقة العمالية".


على طريقة استخدام "المانفستو الشيوعي" للإعلام نفسها يقوم الإعلام الغربي بالغناء بحرية شعوبهم والرقص على أحزان العالم العربي الإسلامي. أن يقوم عربي بجريمة قتل فهذا إرهاب.. أما إذا قام بها غربي فهي مجرد جريمة قتل سيتم البحث في أسبابها وتحويلها إلى القضاء! أن يقوم بها عربي فإن القنوات تشغل نفسها بتغطية الخبر لأيام عديدة وبالتفاصيل والتحليل والاستقصاء، وإذا قام بها غربي فإنه مجرد موجز لأقل الأنباء اهتماما! أن يكون العربي خلف النار فإن كل قنوات الإعلام الغربي تشتعل.. أما إذا كان أمام النار فإن الأمر مجرد مسلم أو عربي قتل ودمه رخيص وإنسانيته رخيصة! ولا توجد آلة إعلامية عربية إسلامية كفيلة بالدفاع عنه.


الإرهاب كلما اتجه نحو العرق الغربي فإنه يتميع معناه الأصلي ويتبلور ويتلون حتى يصبح معنى آخر، يصبح في أحسن الأحوال جريمة عنصرية ولكن لا يمكن أبدا وصفها بالإرهاب! لأن هذا الوصف لا يتفق مع معايير آلة الإعلام الغربي، لا يتفق مع بوصلة الإرهاب التي ترسخت في العقل الباطن للرأي العام الدولي على مدى السنوات الماضية، لا يتوافق أيضا مع الصور السينمائية لأفلام هوليوود التي دائما ما تظهر الغربي بأنه المناصر لحقوق الإنسان والشرقي العربي بالذي يناهضها، وهي التي دائما ما تظهر الغربي الذي يبطل مفاعلات المتفجرات التي زرعها الشرقي.. الصورة السينمائية التي تظهر الغربي الذي يحمي الأطفال والنساء الذين يحاول أن يقتلهم الشرقي.


بعد مجزرة "شابيل هل" تباكى الشرقيون على تجاهل الإعلام الغربي لهذه الجريمة الإرهابية. أنا تباكيت أيضا وتباكى العديد من نخب الإعلام المرئي والمسموع والمقروء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نتباكى لأننا لا نملك آلة إعلامية قوية تمكننا من الدفاع، ينحصر إعلامنا داخل نطاقنا الشرقي ولا يؤثر في الإعلام الغربي والعالمي، ويستبسل بعض إعلامنا في تفريق وحدتنا والتحريض للتفرقة بدلا من إيجاد الطرق لتعزيز نفوذنا الإعلامي العالمي.


سيبقى القاتل الشرقي إرهابيا والقاتل الغربي مجرد شخص قام بردة فعل وقت غضب وستتم محاكمته، سنبقى تحت أضواء الإعلام الغربي يتصيد أخطاءنا ونبقى دون إعلام عالمي ينقل الحقيقة فقط دون التزييف الذي ينقله الغرب ويخدم به مصالحه وسياساته فقط.


يقول الشاعر اليوناني كايوتاكيس كوستاس: "البشر عندما يبغون الشر يمنحونه هيئة تسر الناظرين. يغدقون عليه ألفاظا ذهبية تقهر وتفحم عن طريق الإغواء وعن طريق البهتان".
&