عبدالعزيز قاسم

لمرات تحدثت أن أحد أهم أسباب تضخم التنظيمات المتطرفة وزيادة أتباعهم هو النفاق الغربي، سواء في سياساته المتحيزة ضد المسلمين أو في إعلامه الذي يشيع جو الكراهية ضد الدين الإسلامي

&


أي أخرق هذا الذي سيصدق ما قالته الشرطة الأميركية بأن جريمة "نورث كارولاينا" البشعة التي راح ضحيتها ثلاثة طلاب مسلمين، سببها شجار على موقف سيارات؟!
هناك خطاب كراهية يسود المجتمعات الغربية اليوم تجاه الإسلام وأتباعه، وثمة تحيز وعنصرية بيّنان نحو المسلمين، سواء من الساسة الغربيين أو من وسائل إعلامهم التي تهيمن على العالم، وإلا فبماذا نفسر تلكؤ الرئيس الأميركي باراك أوباما، وانتظاره كل ذلك الوقت كي يشجب تلك الجريمة النكراء تجاه ثلاثة طلاب عزّل، اثنان منهم من النساء، وعهدنا بسيادته الشجب والاستنكار فور وقوع الحوادث إن كان فاعلوها مسلمين؟
والمؤلم أن اضطراره للحديث كان بعد سماعه توبيخ طيب رجب إردوغان له، وقتما انتقده الأخير علنا -خلال مؤتمر صحفي في المكسيك- بأن الإدارة الأميركية يجب أن تتخذ موقفا ضد عمليات القتل، وقال إن صمتهم "له مغزى"، وختم إردوغان رسالته: "أسأل السيد أوباما: أين أنت يا سيادة الرئيس؟" ليتحدث بعدها الرئيس الأميركي ويصف الحادثة بأنها جريمة "وحشية ومهينة".


لست من أصحاب نظرية "المؤامرة" التي تفسر كل حدث بالتآمر على الإسلام والمسلمين، ولكني في المقابل لست بالأخرق والساذج لأصدق أن القوم يتعاملون معنا على أساس من العدل والموضوعية والتوازن، فالولايات المتحدة أقامت الدنيا ولم تقعد، وحشدت جيشا من دول العالم، وجلبوا على المنطقة بخليهم ورجلهم وراجمات صواريخهم وطائرات "الإف16" الخارقة، بسبب أن "داعش" أقدمت على نحر رهينتين أميركيتين، وجاءنا الكاوبوي بكل غطرسته ليؤدب شرذمة متعصبة، يستطيع لو أراد إبادتها بالكامل، لكنه أراد ابتزاز المنطقة كلها، كي نبقى في هذا الجو المشحون بالحرب والفوضى.


كتبت من أسابيع عن نفاق الإعلام الغربي في تعاطيه مع الجرائم التي تقع من مسلمين، وهو الذي يزمجر ويزأر ويفرد الصفحات الكاملة لإرهاب الدين الإسلامي، ويخصص النشرات الإخبارية والتحليلات من معلقين سياسيين جلهم يتحدث عن المتطرفين الإسلاميين، ويصف ديننا بأنه دين دموي يدعو إلى العنف والإرهاب، فيما جوقة من الإعلام العربي الحمقى سادرون في ذلك الغيّ الذي يتلقفونه ببغائية غبية، ويسهمون مع أولئك في التنكيل والاتهام دون فرز أو تبصرة.


فعل الإعلام الغربي ذلك عندما وقعت حادثة "أوكلاهوما سيتي" عام 1995، ليكتشفوا لاحقا أن الفاعل أميركي متعصب يدعى تيموثي ماكفي، وليلتفوا على ما فعله هذا "الداعشي" الأميركي، ويحيلوا السبب إلى الظروف النفسية التي مر بها.


وحتى عندما تقع أية حادثة قتل أو تفجير في الغرب، يسارع الإعلام والشرطة هناك إلى البحث عن مصحف صغير في جيب المتهم، أو صفحة من كتاب أذكار كان يقرأ فيها، ويقتحموا "إيميلاته" علهم يجدون ما يربطونه وتيارات التطرف الإسلامي، ولا يفعلون ذلك مع "دواعشهم" الذين يمتلئون كراهية وبغضا للإسلام والمسلمين، وتتذكرون حادثة أوسلو في عام 2011 التي راح ضحيتها 58 إنسانا مع مئات المصابين، ووصف المجرم أندريس بيرنغ بريفيك نفسه، بأنه "صليبي يقف في وجه مدّ إسلامي، وأنه أصولي مسيحي معاد للإسلام والمهاجرين"، وكالعادة في نفاق الإعلام الغربي، قام بلملمة الحادثة وأبعدوا التعصب الديني المسيحي لدى ذلك المجرم.


تصوروا لو كان ذلك الفاعل مسلما كما كان في حادثة "شارلي إيبدو" في فرنسا، كيف سيقوم العالم الغربي كله شجبا واستنكارا ودعوة لتأديب الجناة المتطرفين، وتتعالى الأصوات بضرورة مراجعة نصوص ديننا التي تدعو إلى الجهاد، وتفكك تفسيرات الفقهاء، ويرضخوننا جبرا على "الإسلام الأميركي" الذي فصلوه ورؤيتهم، بل نضطر إلى مسايرتهم في كثير مما يطلبونه في المناهج والأمن والإعلام، ولكن عندما يقوم أحد "دواعشهم" بفعل إرهابي تجاهنا، يلتحف إعلامهم الصمت، ويشهرون الحالة النفسية للمجرم في ركن صغير من صفحة داخلية، وكأن القتلى العزل ليسوا أناسا ينتمون إلى عالم البشر، ويسألنا بعد ذلك جورج بوش الابن سؤاله الغبي: "لماذا تكرهوننا"؟
لمرات تحدثت في الفضائيات أن أحد أهم أسباب تضخم التنظيمات المتطرفة وزيادة أتباعهم هو النفاق الغربي، سواء في سياساته المتحيزة ضد المسلمين أو في إعلامه الذي يشيع جو الكراهية ضد الدين الإسلامي، وإلا فماذا ننتظر من شاب ممتلئ حبا وحماسة لدينه، الذي يقول له دينه أن أي مسلم أو مسلمة هو أخ أو أخت له، ثم يسمع بهذه الحادثة الشنيعة التي دافعها الكراهية الشديدة، ويسمع هذا الشاب تبرير الشرطة حيال القتلى أن سببه شجار فقط على مواقف سيارات؟! وهو الذي رأى قبل أسابيع كيف احتشد العالم كله في فرنسا، بسبب قتل رسامي كاريكاتير بؤساء أساءوا إلى رمز مقدس لديه، وخدشوا صورة مَن هو أغلى من نفسه وماله بأقبح طريقة؟!
ما الذي سنتوقعه من هذا الشاب، سوى أن الكراهية تتلبسه في المقابل، والانتقام ينمو في داخله بوحي من إيمانه، ليتلفت ويبحث عن أي لافتة أو عنوان تنظيم يحقق له هدفه ومراده، ويطفئ مشاعر الغضب المكبوت في داخله ضد هذا الغرب الصليبي -في تصوره- ليهرع للالتحاق به، ويصبح رقما جديدا في "داعش".


حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، ترفض السلطات الأميركية تصنيف جريمة "نورث كارولاينا" الوحشية بأنها إرهابية، رغم أن كل الشواهد -بحسب بعض المعلقين- تؤكد أن القاتل كريغ هيكس كان متعمدا، وأنه سبق وأن هدد هذه العائلة، وخاطبها بخشونة، ودخل بيتهم عنوة، وتعامل معهم بفوقية وعنجهية، واستخدم ضدهم كلمات نابية، ومفردات معيبة، وقام بتهديدهم مستخدما كلمات متعالية، وأنه كان يستفزهم ويعترض طريقهم، ولا يعجبه لباسهم ولا مظهرهم الخارجي، كما كان يغيظه دينهم وانتماؤهم الإسلامي والعربي.


إننا نراهن على عقلاء الغرب أن يوقفوا هذا التحيز الأعمى لصالحهم ولصالحنا، ويستنكروا تلك الجريمة، كما فعلنا مع "دواعشنا" وقد سخرنا الإعلام والعلماء وقادة الرأي ضدهم، وأشعنا روح التسامح بما يأمرننا به ديننا السمح في أجواء مجتمعاتنا، ووقفنا صفا واحد ضد الإرهاب، وهو ما ننتظره من ساسة الغرب وإعلامه أن يفعلوه تجاه "دواعشهم" الذين بدأوا يتكاثرون، بفعل هذا الضخ الإعلامي بوصف كل عمل متطرف تقوم به "داعش" ومثيلاتها أنه من دين الإسلام، ودونكم ما كشفته دراسة علمية عن زيادة هجمات وجرائم "الإسلاموفوبيا" في فرنسا فقط، بنسبة 70%، إذ بلغ عدد هذه الهجمات التي استهدفت مسلمين أكثر من 764 هجوما في العام المنصرم.


لصالحكم -يا عقلاء الغرب- ولصالح السلام والتسامح في العالم، حيّدوا إعلامكم وواجهوا "دواعشكم".
&