عبدالله بن بجاد العتيبي

في القمة الحكومية التي انعقدت في دبي الأسبوع الماضي ألقى سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الكلمة الرئيسية، وهي كلمةٌ كان ينتظرها الشعب الإماراتي والشعوب العربية، لأنها تشرح فكر ورؤية قائد تمثل بلاده نموذجاً فريداً في النجاح التنموي والسياسي لا على مستوى العالم العربي فحسب بل على مستوى المنطقة والعالم.

كرجل دولةٍ حقيقيٍ وتعزيزاً للتحالف القوي والمظفّر الذي يقود المنطقة العربية ويدافع عن مصالحها ومصالح شعوبها بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فقد بدأ الشيخ محمد كلمته بتعزيةٍ للسعودية بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وقال: «عزاؤنا اليوم أن الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في أيدٍ أمينةٍ وخير خلفٍ لخير سلف» وأضاف «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رجلٌ حكيم متمرس في الحكم منذ نعومة أظفاره وفقه الله ووفق المملكة شعباً وحكومةً».

&


هذه البداية تكمن أهميتها في تأكيد استمرار الحلف الاستراتيجي غير المسبوق القائم بين الدولتين الشقيقتين وفيه ردٌ قويٌ على حملة الإرجاف التي قادتها جماعة «الإخوان المسلمين» وأتباعها في الخليج لمحاولة تخريب العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الدولة المصرية ودول الخليج العربي، وهي حملةٌ انتهت إلى نقيض مقصدها بحيث أكدت السعودية والإمارات والكويت والبحرين على عمق هذه العلاقات وأن السياسات الكبرى لا تتغير بحسب رغبات مؤدلجٍ أو أوهام «إخواني» بل تتغير بتغير المعطيات أو المصالح العليا للدول، ولكن وكما هو معلومٌ فإن جماعات الإسلام السياسي أكثر ما يظهر فشلها في مجالي السياسة والإعلام.

وكرجلٍ دولةٍ فقد ركز في كلمته على رؤيته لبلاده التي تمتد لخمسين عاماً في المستقبل، وخططٍ لبعض الخدمات الأساسية تصل إلى خمسةٍ وعشرين عاماً، وتحدث عن مشكلة المياه وتحدياتها المستقبلية، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وتحدث عن احتماليات نضوب النفط والغاز والتحضير لذلك منذ اليوم في بناء بنيةٍ تحتيةٍ متكاملةٍ ومميزةٍ على مستوى العالم وكذلك بناء اقتصاد متنوعٍ ومتينٍ.

كما ظهر في كلمته اهتمامه الكبير بتطوير التعليم المقرون باعترافه بأننا في التعليم «كلنا دفعنا ضريبة فيه» وأننا «تأخرنا شوي» وأن معرفة هذا التأخر هي أول الطريق لتجاوز الخطأ فيه وأن الرهان على المستقبل هو الرهان على بناء الإنسان المنتج الناجح النافع لنفسه ولبلاده، وهو قد حرص في كل كلمته أن يذكر المنجَز ويشكر من شارك فيه من المواطنين ومن التجار بأسمائهم إن أمكن بل وشمل المقيمين الذين يشاركون في بناء البلاد وازدهارها.

ذكّر برؤية الشيخ خليفة المبكرة في إنشاء «جهاز أبوظبي للاستثمار» في منتصف السبعينيات وأنه اليوم ثاني أكبر جهاز استثماري على مستوى العالم، وشكر أحمد خليفة السويدي ومحمد الحبروش، وتطرق لمصنع «ستراتا» لإنتاج قطع غيار الطائرات لشركتي بوينج وإيرباص وثمّن دور المرأة الإماراتية في بناء المجتمع وأن المرأة الإماراتية تشكل 83% من اليد العاملة في المصنع وقال عن المرأة «هم شاطرين» كما عبر عن فخره بقدرات أبناء الإمارات في تشغيل وإدارة كبريات الشركات العالمية في قطاعات الموانئ والنقل، وفي ذكر الحاجة لمركباتٍ إبان احتلال الكويت عام 1990 شكر عبدالله المسعود.

إنه موقف قائد يذكّر بدور الرجال ومواقفهم ويشكر الأكتاف التي حملت الأعباء وأدت الأمانة ويفخر بالمنجَر والمنجِز ويشيد بالتكاتف الوطني والوحدة الوطنية و«البيت المتوحد»، ولا ينسى أن المنجز يحتاج لقوةٍ تحميه، وهو دورٌ يحمله هو على كتفه.

يجب أن نستحضر في هذا السياق سابقةً صنعها بنفسه وذلك حين قام وأعضاء المجلس التنفيذي الذي يمثل حكومة أبوظبي بأداء القسم على تنفيذ خطةٍ حكوميةٍ طموحةٍ تمتد لعقودٍ في المستقبل وهي منشورةٌ بكاملها.

أوضحت الكلمة على قصرها عن رؤية تمتد من ربع قرنٍ إلى نصف قرنٍ في المستقبل، وفي مقطعٍ شديد التكثيف من كلمته قال: «نحن نعيش فترة لدينا فيها خير ويجب أن نستثمر كل إمكانياتنا في التعليم لأنه سيأتي وقت بعد 50 سنة ونحن نحمل آخر برميل نفط للتصدير، وسيأتي السؤال هل سنحزن وقتها؟ وأجيب: إذا كان الاستثمار اليوم في مواردنا البشرية صحيحاً فأنا أراهن أننا سنحتفل بتلك اللحظة».

سياسياً، تحدث عن حدثين يفصلهما ربع قرنٍ تقريباً، عن مشاركة الإمارات في أزمة الكويت وتحريرها 1991 وعن وقوفها مع الدولة المصرية 2013 في استعادة الدولة وتلبية رغبة الشعب المصري ضمن إطار الرسالة السياسية التي تحملها الإمارات للعالم من أن هذه المنطقة تمرّ بتحدياتٍ صعبةٍ ولكن الشرق الأوسط ممكن يطلع منه خير «ونحن موجودين» ولكنها كعضو فاعلٍ في المجتمع الدولي تحمل الكثير من الخير والمحبة والسلام، وليس الدولة فحسب بل التجار والمواطنون يحملون نفس الرسالة للعالم. أخيراً، وكرسالةٍ تميّز القائد عن الإداري، قال: «وأقول لخريجي الجامعات الغربية الذين يحبون لغة الأرقام إن الأرقام مهمة لكن الأرقام لا تعمل مع التاريخ فلدينا جذور وأحاسيس وحكمة وقيم هي الأهم».
&