علي العنزي

حظيت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة باهتمام رسمي وشعبي بارزين، فمنذ وصول الرئيس إلى القاهرة ومظاهر الحفاوة بارزة، فمن المطار وعلى جوانب الشوارع، آلاف الناس يلوِّحون بصور بوتين وبأعلام روسيا، لذلك لا بد من معرفة أسباب هذه الحفاوة وكذلك مستقبل العلاقات الروسية-المصرية، ولاسيما في هذا الوقت، الذي تمر فيه المنطقة بتغيرات متسارعة، سياسية وعسكرية واقتصادية، فما يسمى «الربيع العربي» لا يزال يعصف بالمنطقة وتحول إلى مظاهر عنف وفوضى، والمليشيات تستولي على المدن والموانئ في ليبيا وغيرها من الدول العربية، وتقتل 21 مصرياً ذبحاً في منظر بعث على الاشمئزاز لكل من شاهده، وأسعار النفط تتراوح بين الـ50 والـ60 دولاراً، فكل هذه العوامل والمعطيات تؤكد أهمية الزيارة في هذا الوقت.

&

لاشك أن العلاقة الشخصية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الروسي بوتين تطورت بشكل كبير وملحوظ، منذ قيام السيسي بقيادة التغيير الذي حدث في 30 يونيو عام 2013، إذ أظهرت روسيا موقفاً مؤيداً للتغيير، فاستقبلته عندما كان وزيراً للدفاع في الحكومة الانتقالية، وكذلك استقبلته بحفاوة بعد فوزه بالرئاسة في سوتشي، خلال زيارته الرسمية إلى روسيا، وكذلك أرسل الرئيس بوتين وزير الخارجية والدفاع إلى مصر، خلال فترة الحكومة الانتقالية، كإشارة إلى دعمه للتغيير في مصر، لذلك أصبحت روسيا ومصر قريبتين بعضهما من بعض أكثر من أي وقت مضى، فمنذ مغادرة السوفياتيين مصر لم يزر رئيس روسي مصرَ إلا بوتين في عام 2005، وهذه الزيارة هي الثانية له، وهو ما يدل على أن بوتين وضع من ضمن أولوياته تطوير علاقاته مع مصر ومشاكسة الغرب ديبلوماسياً واقتصادياً في هذه المنطقة الحيوية جداً بالنسبة إلى روسيا والعالم.

&

يعتقد محللون بأن الشأن السياسي للزيارة يعلو على الشأن الاقتصادي، فالزيارة جاءت بمنزلة دعم سياسي قوي للسيسي في مواجهته للضغوط الداخلية والخارجية، لكن هناك من يرى أنها تحمل أكثر من هدف، سياسي واقتصادي وعسكري وأمني، إذ استطاعت مصر، وخلال فترة وجيزة من انتخاب السيسي، استعادة وضعها السياسي على الخريطة الدولية، فنجحت على المستوى الدولي نجاحاً غير مسبوق؛ إدراكاً منها لأهمية استعادة دورها الريادي في المنطقة، وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع جميع الدول الفاعلة في المسرح الدولي. لذلك تأتي هذه الزيارة لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين من خلال البحث في آليات إنشاء منطقة التجارة الحرة، وإسهام روسيا في مشروع قناة السويس الجديدة، وتطوير سبل التعاون المصري-الروسي المشترك، في تنمية القناة اقتصادياً، وكذلك دراسة إنشاء أول محطة نووية في أرض مصر، بمساعدة روسية، إضافة إلى اشتراكها في المؤتمر الاقتصادي المصري.

&

لقد تطور التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر وروسيا في العام الماضي، والذي زاد بنسبة 80 في المئة بفضل التعاون المكثف في مجال المنتجات الزراعية، من خلال مضاعفة حجم الصادرات الزراعية المصرية إلى روسيا بعد العقوبات الأوروبية عليها، إضافة إلى بحث أفق التعاون في مجال الطاقة، إذ تم استيراد أكثر من 1.4 مليون طن من المشتقات النفطية من روسيا، وهو ما يقدر بسدس حاجات مصر النفطية. كما أن مجال الطاقة النووية في مصر هو أحد أهم أبرز معطيات الزيارة، إذ تحاول الدولتان الوصول إلى قرار نهائي في هذا المجال؛ من أجل إقامة محطة لتوليد الطاقة النووية على أرض مصر وتدريب الكوادر وتطوير الأبحاث العلمية في مشروع متكامل، فضلاً عن الاستخدام السلمي للفضاء الكوني واستخدام الأقمار الاصطناعية، وكذلك العديد من المشاريع الاستثمارية في مجالات المواصلات والسيارات والصناعات الكيماوية. كما تم الاتفاق بين البلدين اعتماد العملتين الوطنيتين في التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما يعزز التبادل التجاري بينهما، إضافة إلى أن التعاون في المجال العسكري لم يكن غائباً في هذه الزيارة، إذ كان البلدان قد وقَّعا اتفاقات عدة في هذا الشأن.

&

أعتقد بأن مصر وروسيا هما في حاجة بعضهما إلى بعض في هذا الوقت، فمصر تواجه الإرهاب المتطرف على أراضيها، وفتور في علاقاتها مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي إلى حد ما، وروسيا تواجه ضغوطاً غربية في أوكرانيا بعد ضمها إلى شبه جزيرة القرم، ودعمها للشرق الأوكراني كمحاولة منها لكبح جماح تمدد حلف الناتو تجاه حدودها من خلال أوكرانيا التي تسعى جاهدة إلى الانضمام إلى الحلف والاتحاد الأوروبي بأي ثمن، لذلك البلدان في أمسِّ الحاجة إلى بعضهما البعض؛ لمواجهة الضغوط الخارجية عليهما.

&

إن التدخل المصري في ليبيا وحماية مصالحها، بعد مذبحة العمال المصريين، هو دليل على التحول المصري في عهد السيسي؛ لتكون لاعباً رئيساً في المنطقة، وليس تابعاً إلى جهة معينة، فمصر بحاجة إلى تعزيز خياراتها السياسية مع الدول الفاعلة، ولاسيما دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فزيارته إلى روسيا ومن بعدها الصين وفرنسا، ومن ثم استقباله للرئيس الروسي في القاهرة، هي إستراتيجية في اتجاه تعزيز الدور المصري، وحماية المصالح العربية من التهديدات الخارجية الإقليمية والدولية، كما أن القاهرة تهدف من استضافتها بوتين، هي رسالة القصد منها هو إبراز أنها ليست مقيدة بعلاقاتها مع أميركا، وأنها يمكن أن تنوع خياراتها بالذهاب إلى روسيا والصين، لذلك يرى العديد من الخبراء أن الاتفاق مع روسيا على بناء محطة الطاقة النووية وغيرها من الاتفاقات الأخرى، من جهة، والاتفاق مع فرنسا على شراء طائرات رافال الفرنسية، من جهة أخرى، هي رسالة واضحة إلى واشنطن، مفادها بأن الخيارات المصرية أصبحت متعددة، ولن تكون هناك عودة للخيار الأوحد.

&

لقد كان التعاون المصري-الروسي في مواجهة المجموعات المتطرفة، بند مهم من بنود الزيارة، فروسيا صنفت «الإخوان المسلمون» مجموعة إرهابية عام 2004، وصنفتها مصر قبل عام تقريباً، ومصر تواجه أشرس هجمة إرهابية، وتحتاج إلى خبرات روسيا في مواجهة هذه المجموعات المتطرفة، لذلك لا بد من أن نتوقف عند رمزية الهدية التي قدمها بوتين إلى الرئيس السيسي خلال زيارته إلى القاهرة وهي رشاش كلاشنكوف.
&