سمير عطا الله

إحدى روائع جورج أورويل كتبها يوم كان ضابطًا في الشرطة البريطانية الاستعمارية في بورما، يصف فيها عملية شنق محكوم هندي. لا يمكننا هنا استعادة الوصف والحوار وسلوك السجّانين ورئيس السجن وضابط السجن، بالإضافة إلى تصرف المحكوم نفسه، الذي يصوره بأنه رجل حليق الرأس تمامًا وذو شاربين كثّين مثل مهرجي السينما. كل شيء يبدو عندما تدق ساعة السجن الثامنة صباحًا، وكأنه مجرد يوم عادي آخر.


حرّاس المحكوم الثمانية يرخون بنادقهم على أكتافهم وكأنهم في نزهة رياضية، ورئيس السجن ينادي على الطبيب مستعجلاً إياه الحضور إلى الساحة بقوله: «ماذا يؤخرك؟، إن المحكوم ينتظر». يقول ذلك وكأن المحكوم ينتظر موعد الفطور أو ساعة الإفراج عنه، أما المحكوم فيتقدم في خطى عادية، هي أيضا وكأنه لا يدري إلى أين هو ذاهب، أو كأنه غير معني بما سوف يحصل بعد قليل.


كان يومًا ماطرًا وصباحًا جديد الابتلال، كما يقول أورويل. وفجأة، يهجم على المحكوم كلب آتٍ «مما لا ندري من أين»، ويروح ينوء تحت قدمي الهندي المُدان. فيأمر رئيس السجن الحراس بأخذه بعيدًا. لعل ذلك الكلب كان الصديق الوحيد في الأرض للهندي السائر إلى المشنقة. يقول أورويل: «كان الأمر غريبًا حقًا، لكنني حتى تلك اللحظة، لم أكن أعرف ماذا يعني أن تُبيد رجلاً في كامل وعيه وصحته. وعندما رأيت السجين يحاول تفادي الكلب الصغير لكي لا يؤذيه، بدا لي الأمر كمأساة بشرية. إن هذا الرجل ليس ميتًا، بل هو حي مثلنا نحن. جميع أعضاء جسده تعمل وجلده يجدد نفسه وأظافره تنمو، وسوف تكون لا تزال تنمو عندما يقف على المنصة، ويقع عنها متدليًا في الحُفرة، فاقدًا حياته في أقل من ثانية».


أشار رئيس السجن بعصاه صارخًا بالهندية: «فليذهب»، حدث ضجيج، ثم صمت هائل، لقد اختفى السجين وصار الحبل يدور حول نفسه. وحاول الكلب الصغير اللحاق به، لكنه عندما وصل إلى المنصة توقف ونبح، وأخذ ينبح، ثم تراجع نحو زاوية في الساحة الصغيرة وأخذ يراقب الجميع بحزن، وأما رئيس السجن فضرب بعصاه جسد المشنوق وقال باسمًا: «كل شيء على ما يُرام. ومن ثم دعا الجنود والحراس والطبيب إلى الاحتفال في مقهى قريب».


استعدت رائعة أورويل، الذي، بالنسبة إليّ، لم يكتب إلا الروائع، وأنا أسمع عن إعدامات «داعش» من دون محاكمة، من دون عفو، من دون أي شيء سوى الاحتفال ودعوة العالم أجمع إلى مشاركتهم المناسبة. يقول أورويل إنه أدرك للمرة الأولى، ماذا يعني أن تُبيد رجلاً مليئًا بالحياة. ويصف لنا كيف أن الكلب تراجع بعيدًا عن الجثة، وراح ينظر إلى مُنفّذي الإعدام بحزن وعتاب. ماذا لو أن أورويل شاهد، أو أُرغم على مشاهدة «عملية حرق» بدل «عملية الشنق» التي تحدث عنها؟ قرأت أن الملايين شاهدوا على الإنترنت إحراق الطيار معاذ الكساسبة. أحب أن أؤكد لكم أنني لست واحدًا منهم. لقد اكتفيت بالصورة التي نشرتها الصحف. وكان ذلك مُعَلاً.