علي القاسمي

تشتعل حسابات ومكاتبات التحريض، وتقدم نفسها بوصفها مساحة قادرة على الإغواء والإغراء وجذب الصغار، وضعاف الأنفس، ومشاغبة الحس العاطفي لديهم، لتقودهم كالقطيع إلى حيث يلتقي التكفيريون والمتطرفون والناقمون على الحجر والبشر، في حين أن الأرقام المحدثة تفصح عن وجود آلاف الحسابات التي تعمل صباح مساء على بث الكراهية، وزعزعة الأمن والتأليب، وبذر الشكوك، وتفكيك المجتمع، وغسل الأدمغة.


التحريض لا يخلق فكرة الجريمة فقط، بل يتجاوزها للإلحاح عليها حتى يقطع على الجاني خط الرجعة ويكتوي بها وبما بعدها، وهو يخاطب فكر الجاني وعقله ويحيله إلى أداة مطيعة تقوى على فعل أي شيء، لكنها لا تعي أي شيء، هناك من يمارس فعل التحريض، وهو دارس له، معد لمخططاته، ومحدد للأهداف والأبعاد راسماً نسب الإنجاز وملامح النجاح، وهؤلاء هم أصحاب التحريض الممنهج، والذي كشفتهم الأحداث تباعاً وقدمتهم وسائل التواصل على طبق من فضيحة، لكونهم أفاعي شديدة السمية، لا تجابه إلا بمجتمع عاقل يعرف تماماً ما هو السم؟ ومن هي الأفعى؟ ويُنْتَظر من وزارة الداخلية أن تسحب هؤلاء على وجوههم وتعريهم حتى يؤمن البسطاء المخدوعون أن اللعبة أكبر من تخيلاتهم، وأن الهدف النهائي التعامل معهم كمناديل صالحة للاستخدام لمرة واحدة فقط.
&

يبقى المثير واللافت للنظر ارتفاع نسبة ممارسي التحريض غير الممنهج، ومؤديّ دور المراسل أو المتحدث الرسمي باسم الأجهزة الأمنية كافة والشرائح الوطنية ومؤسسات الدولة، فقد وصفناهم - تجاوزاً - بأنهم مغفلون وقطعان تميل حيث ما مالت الريح، لكنهم يقومون - الآن - بدور رديء وفاضح، أشبه بمن يجرح وجهه بيده، ثم يندم أشد الندم على الجرح وأداته.


الدفاع عن الضالين أو المراوغة عن تجريم ما يمارسون أو حتى تبرير جزئية شاذة من مخطط عملهم الكامل يعني الموافقة بالمجمل على الحراك والحركة، ومن يدعي أنه ضدهم وليس معهم ويقف حاجزاً منيعاً من دون أن تتسلل الأفكار المنحرفة للعقول الطازجة فيجب أن يتجاوز حاجز القول والتنظير والتباهي إلى منطقة الفعل والحرص والخوف ومحاسبة الذات على أية معلومة تنشر أو صورة تبعث.


مخجل أن نسهم بخزي التحريض بغباء منقطع النظير، ونصنع قنوات مصغرة له في دوائرنا الاجتماعية، ولا يعقل أن يتحول كل مواطن إلى صحافي برتبة صاحب سبق، أو محلل سياسي أو أمني في ثوب محرض أبله صغير، وكي نتجاوز بعضاً من أزماتنا الفكرية وحالات الاختناق التي تعبث بأرواحنا علينا أن نتساءل على انفراد: من يحيل أفراداً منا لمجرد سطحيين عاطفيين باحثين عن الإثارة والتشويه وصناّع للكذب وممتهنين للثرثرة على الجراح؟ والأهم أن ندقق جيداً في هذا التحول المنفذ بدقة في طريق التحريض لمصالح أجندات لا نعرفها طبعاً، لكن بيننا من يعمل لمصالحها عن جهل وفراغ عقلي ووقتي.