سمير عطا الله

شيء لم يعد مألوفا أن يأتي من سوريا: كتاب سياسي هادئ ورجل بعيد عن حالة الصخب الدموي.


«الرواية المفقودة» لفاروق الشرع، كتاب عن حقبة غير مستقرّة في المنطقة وفي سوريا نفسها: حرب العراق وإيران، حروب لبنان، حرب الكويت، اجتياح بيروت، حروب منظمة التحرير، مؤتمر مدريد، الانفصال نحو أوسلو، حرب المخيّمات، الصراع بين أمل وحزب الله، الرئاسة اللبنانية وحكومة الجنرال عون، النزاع العراقي - السوري، وصراع الأجنحة من حول الرئيس حافظ الأسد.


هذا هو الشرق. يقدم الشرع نفسه على أنه رجل من درعا، أيام كانت 3 قرى ريفية، ابن «موظف بسيط» كثير التنقل بين المحافظات، وليس في البلدة سوى سيارتي أجرة، وواحدة يملكها إقطاعي. أطفالها يلعبون في السواقي، ولكنها أيضا أرض القمح والخصب.


ينبّهنا الشرع إلى أن مذكراته ليست سردا تاريخيا؛ لأن كل إنسان يرى التاريخ من زاويته؛ لأنه «لا وجود لتاريخ موحّد، أو وصف متطابق لحادثة معيّنة. وحتى النصوص الدينية التي لم يتبدل فيها حرف طوال دهور، ظلت لها تفسيراتها المختلفة وتأويلاتها المثيرة للجدل».


ينتهي السرد مع غياب حافظ الأسد، ويظل خاليا من أي نقد، إلا عندما يروي ما حدث عام 1981 عندما أُدخل الرئيس السوري غرفة العناية المركزة. يخرج الراوي عن الهدوء وتجنب الصراعات إلى القول إن رجال الرئيس انقلبوا عندما دخل الغيبوبة، وبدأوا يستعدّون لمرحلة جديدة مع شقيقه رفعت. تضم تلك الدائرة بعض أقرب المساعدين، وأبرزهم عبد الحليم خدام والعماد حكمت الشهابي. وحيث يرد اسم خدام، يورده الشرع بشيء من التهكّم، المنسوب أحيانا إلى الرئيس نفسه. وينزع إلى الكثير من التفاصيل في كيف واجه الأسد بهدوء محاولة شقيقه الاستيلاء على السلطة، وكيف اتفق الرئيس مع موسكو على أن يُرسل إليها رفعت وضباطه في زيارة رسمية، وتتكفل هي باستبقائه هناك. من موسكو توجه «نائب الرئيس» إلى فرنسا، ثم إسبانيا، ولم يعد إلى البلاد.


يروي 3 لقاءات مع ميخائيل غورباتشوف؛ الأول: كان الزعيم الروسي يتكلم متدفقا مثل شلال. الثاني: كان أكثر همًّا. الثالث: طرح على الرئيس السوري أسئلة حول حنكة البقاء والاستمرار. ويعلق الشرع بأنه ذُهل كيف أن رئيس دولة كبرى يطرح مثل هذه الأسئلة على رئيس دولة من العالم الثالث.


يروي قصة الصراع العراقي - السوري الذي بدأ مع صدام حسين فور اعتزال أحمد حسن البكر، ثم يقول في أسى، إن الحزب الذي يرفع شعار الوحدة هو الذي تسبب في تدميرها. كما يروي جزءا من الدور السوري في لبنان، ويقول إنه كان يتحاشى أي مهمّة بين اللبنانيين، بل يكره ذلك؛ لأنهم سياسيون متقلبون بلا حدود. ويغمز من قناة خدام في التعامل معهم وتلقي الإغراءات منهم.