عقل العقل

المتابع للقنوات الشعبية الفضائية في مشهدنا يصاب بالملل والغثيان؛ مما تبثه تلك القنوات، فهي للأسف لم تخدم الموروث الشعبي في جوانبه المتعددة والجميلة وبصورة إنسانية، ومن يتابع تلك القنوات يحس أننا نعيش في عصور سحيقة لم يطرأ على مجتمعاتها أي تغيرات تنموية، معظم هذه القنوات تركز على الشعر الشعبي، وكل قناة تركز على شعراء قبيلة بعينها وترفع من شأن تلك القبيلة، وبرامجها الأخرى هي عن المناسبات الاجتماعية لأبناء تلك القبيلة، أما بقية فترات بثها فهي تملأه بتصوير الإبل الخاص بتلك القبيلة، وهي تركض وخلفها المئات من أبناء القبيلة.

&

مهرجانات أقل ما يقال عنها إنها بسيطة وساذجة، فتلك القنوات ومن يديرها -للأسف- لا يملكون الرؤية الإعلامية وخطورة يقومون به على الوحدة الوطنية. أزعم أن من يملك تلك القنوات هدفهم مادي بحت؛ مستغلين مثل هذه الانتماءات الضيقة عند بعضنا، وكل من يتابع شريط الرسائل النصية على شاشات تلك القنوات يجزم أن هدفها ليس خدمة الموروث الشعبي، بل هو ساحة للنعرات والتباهي المزيف لأبناء قبيلة على أخرى، فلم أشاهد -مثلاً- على تلك القنوات قصصاً لإنسان هذا الوطن كان له أولها قصة نجاح في مجاله.

&

إن هدف من يقومون على هذه القنوات هو الربح المادي الصرف؛ مستغلين المجتمع كون معظمه ينتمي إلى قبائل عربية، فنحن نشاهد في بعض تلك القنوات إبرازاً لبيرق قبيلة معينة، وكأنه لا يوجد علم وشعار للوطن يعتبر مظلة للجميع نلتف حوله جميعاً. إن التركيز وإحياء مثل هذه المفاهيم والقيم وخلق ولاءات ضيقة لا أقول إنه يهدد وحدتنا الوطنية، ولكن قد يستغل من بعضهم؛ للتفريق بيننا في أي ظرف كان، ونحن نشاهد ماذا يحدث الآن من بعض القنوات الدينية، التي تلعب على إثارة المذهبية في بلادنا العربية ذات المؤسسات الرسمية وغير الحكومية الهشة. إن هذه القنوات الشعبية لم تعمل على تصوير المفاهيم الإيجابية للقبيلة، ولا هي قدمت برامج جادة؛ للحفاظ على فنوننا الشعبية كما في تلفزيون دولة الكويت، والتي كان به برنامج جميل يتطرق في كل حلقة منه لأحد الفنون الشعبية ويقدمها ويشرحها بطريقة شيقة وعلمية، ومن ثم يقدم بعض الأغاني التي لحنت على لحن ذلك الفن الشعبي، أما قنواتنا الشعبية فلا نعرف من هم القائمون عليها.

&

ولخطورة ما أطرحه أدعو إلى مراقبة ما تبثه تلك القنوات على شريطها المتحرك من رسائل بريدية، التي يفترض أن بعض المشاهدين هم من يقومون بإرسالها، فهي تعتبر مساجلات تعبر عن فكر ضيق وخطير على المشاهدين، ولاسيما على فئة الشباب.

&

قد يكون انتشار مثل هذه القنوات الشعبية بسبب انحسار مجلات وصفحات الشعر الشعبي في صحافتنا، والتي كانت مزدهرة في فترة ماضية وتلاشت؛ بسبب الثورة المعلوماتية، ولكن البديل -للأسف- هو فوضى إعلامية من حيث المحتوى والشكل، وهو ما يتطلب وضع تشريعات رسمية تراقب بث هذه القنوات، وأرى -مثلاً- أن تقوم هيئة الإعلام المرئي والمسموع بهذا الدور، فنحن نسمع عن إغلاق أو منع بث قنوات دينية أو طائفية تبث السموم في المجتمع، فلماذا نترك مثل هذه القنوات تعبث بمشهدنا الثقافي وتهدد وحدتنا الوطنية؟

&

وزارة الثقافة والإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون عليهما دور مهم في هذا الجانب، فلماذا لا تنشأ قناة تلفزيون رسمية للفنون الشعبية تعبِّر عن تراثنا الشعبي بكل أشكاله وبصورة جمعية للوطن؟ أما أن يترك هذا الدور لبعض رجال الأعمال من بعض شرائحنا الاجتماعية فهذا خطر، علينا التنبه له، فجني المال والطمع والتلاعب بالمشاعر عند بعض أطياف المجتمع يجب أن يوضع له حد كما في كل دول العالم.
&