عبد الوهاب بدرخان

كانت الحجة الأبرز في عدم استجابة مجلس الأمن لأيٍ من مطالب مصر بعدما ذبح إرهابيو «داعش ليبيا» واحداً وعشرين من أبنائها الأقباط، وكذلك عدم استجابته مطلب الحكومة الليبية التي يعترف المجلس نفسه بشرعيتها، أن هناك حواراً بين الأطراف الليبية من أجل التوصّل إلى حل سياسي للانقسام والأزمة الحاصلين بين شرق البلاد وغربها، وبالتالي يحب إعطاء هذا الحوار فرصة، خصوصاً أنه يُجرى برعاية الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها الخاص.

&


كانت القاهرة طرحت على مجلس الأمن خيارات عدة، وهي: أن تشمل استراتيجية «التحالف الدولي ضد الإرهاب» الأراضي الليبية، فهو يعمل تحديداً ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وها هو التنظيم يجهر بجرائمه الأولى في ليبيا بعدما كان أعلن من مدينة «درنة» عن وجوده ومبايعته لـ «أبي بكر البغدادي». أو يكون هناك تحالف آخر معني بمحاربة الإرهاب في ليبيا، طالما أن دولاً أوروبية باتت تستشعر الخطر الآتي من الشاطئ المتوسطي المقابل، أو أن تُمنح مصر تفويضاً دولياً لتنسّق عمليات ضد الإرهاب مع الحكومة الليبية الشرعية في طبرق، أو أن يصار، على الأقل، إلى رفع الحظر عن تسليح الحكومة الشرعية لتمكين الجيش الوطني الموالي لها من مواجهة المجموعات المتطرفة.

كل ذلك بدا صعباً، إنْ لم يكن مستحيلاً، حتى كأن الخيار الوحيد الممكن أن يُترك «داعش ليبيا» وشأنه. فهناك إصرار على الفصل بين «داعش» العراق وسوريا و«داعش» ليبيا رغم ارتباطهما المعلن، ولعل القوى الدولية تريد انتظار هذا الأخير حتى يكبر ويستولي على مساحات واسعة من ليبيا، كما سبق أن فعلت مع التنظيم الأم/ أو الأب في سوريا والعراق. ورغم تصاعد المخاوف الأوروبية من الخطر المقترب، ورفع إيطاليا وفرنسا صوتيها، إلا أن تحالفاً للتدخل في ليبيا بقي مستبعداً. وكذلك تفويض مصر. واستطراداً تسليح الحكومة الشرعية. فهذه اقتراحات تعقّد وضعاً معقّداً أصلاً، كما قيل، ومن شأنها أن تُظهر المجتمع الدولي «منحازاً» لطرف ضد طرف، علماً بأن أحد الطرفين هو الحكومة التي يعترف مجلس الأمن بشرعيتها، أما الآخر فهو ميليشيات غير معترف بشرعيتها، لكن الحرص على عدم إثارتها صار يعني لها أن المجتمع الدولي يوليها شيئاً من «الشرعية» انتزعته بسلاحها وبالحال الفوضوية والإرهابية التي أشاعتها.

إلى الحل السياسي إذاً طالما أنه ملاذ الجميع للتنصّل من واجب التدخل، لكن أشد المؤيدين لهذا الحل هم أبرز من يعقّده ويعطّله، إذ إن المبعوث الأممي «برناردينو ليون» يعمل بمنهجية لا علاقة لها بالقرارات الدولية التي صدرت في الشأن الليبي، فهو أول مَن روّج لوجود «شرعيتين» ويحاول بناء حل على هذا الأساس. والمفارقة أن مجلس الأمن لا يزال يذكر بأنه لا يعترف إلا بمجلس النواب المنتخب والحكومة المنبثقة منه، فما قيمة هذين القرار والاعتراف. ولأن الظرف ضاغط على جميع الأطراف فإن دولاً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تحاول انتهازه لتضغط بدورها للحصول على حكومة تتمثل فيها ميليشيات طرابلس ومصراتة فتكرّس بذلك عرفاً سيفرض نفسه على أي دستور مقبل، وعلى صيغة الحكم من دون أي اعتبار للتمثيل الانتخابي.

كان مفهوماً منذ شهور طويلة أن الحل السياسي يتطلّب توافقاً دولياً- إقليمياً لتسهيل التوافق الداخلي. ولعل الموقفان الأميركي والبريطاني المحبذان لـ «مشاركة» سياسية، بمعزل عن مخرجات الانتخابات، هو ما أضعف مسألة «الشرعية» وأعطى الميليشيات الأمل بأن استخدامها القوة لترهيب المجلس المنتخب والحكومة ولتحدّي الجيش الوطني الموالي لهما. بل إن هذا الموقف زاد صعوبات الحل السياسي لأنه ضاعف طموحات الميليشيات وأطماعها في السلطة. وهذا ما دفع بريطانيا إلى أن تقترح إصدار بيان باسم مجلس الأمن يدعو إلى «الاتفاق على وجه السرعة على تشكيل حكومة وحدة وطنية»، وإذا وجدت هذه الحكومة يمكن عندئذ رفع حظر السلاح لتمكينها من محاربة الارهاب.

ماذا يعني هذا في اللحظة الراهنة؟ أولاً أن الاعتراف الدولي بالشرعية لا يعطي أي ميزة، لأن الدول الكبرى المعنية تميل إلى ترجيح منطق إرضاء الميليشيات. وثانياً، أن مجلس الأمن يعبّر بطريقة ملتوية عن عجزه. وثالثاً، أن على الأطراف أن تتدبّر أمورها خارج ميثاق الأمم المتحدة (تنسيق ثنائي بين مصر وحكومة طبرق). ورابعاً أن الحل السياسي يتطلّب تنازلات، وأن الحكومة الشرعية هي المدعوة إلى التنازل لمصلحة الميليشيات.
&