أسعد عبد الرحمن

خطر الإرهاب، لا يمكن أن يزول بين عشية وضحاها. بل هو يزداد شراسة وعنفاً، فيما يكمن خطره الحقيقي في انتشار فكر التطرف، واتساع دائرته، وتزايد أتباعه، وتحوله إلى جزء من ثقافة بعض المجتمعات. ومن هنا، باتت ظاهرة الإرهاب تستأثر باهتمام متزايد من دول العالم كافة، نتيجة للآثار السلبية التي ترتبها في حياة مجتمعاتها، وذلك لارتباط شيوع ظاهرة الإرهاب بتطور الأحداث الجارية في الساحة السياسية، حتى أضحى مفهوم الإرهاب صفة لصيقة لكل حدث، سواء كان جماعياً مخططاً، أم فردياً عفوياً.

&

ولأن الإرهاب بات ظاهرة عالمية تزداد توسعاً وانتشاراً، ولأن أسبابه متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية، فإن إدراك وفهم أسبابه هي نقطة الانطلاق المركزية للقضاء عليه. ومع اختلاف وجهات النظر في تحليل الظاهرة، هناك شبه إجماع على كون العامل الاقتصادي يلعب دوراً مهماً في توجيه سلوك الإرهاب عند الأفراد/ المجتمعات: فالفقر والجهل والبطالة الناجمة بالأساس عن السياسات الاقتصادية وسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وبين ذوي المصالح الاقتصادية الواسعة وبين الفئات الاقتصادية المهمشة، الأمر الذي ولد شعوراً بالعجز واليأس والإحباط. وفي إطار العامل الاقتصادي، الذي يراه عديد المحللين، السبب الرئيس في ظاهرة الإرهاب، تأتي كذلك مسائل عديدة مثل: سوء توزيع الثروة، والفساد الإداري الحكومي. وهذه العوامل، مع غيرها، قد تفاقم سلوكاً عنيفاً، سرعان ما يتفجر ويتحول إلى إرهاب.

وكذلك، فإن بعض الأنظمة قد تستولد عداء وصراعاً لدى طبقات واسعة يمكن أن تستغل في تأجيج النزاعات الداخلية. وفي هذا السياق، يأتي النظام الاقتصادي الدولي الجائر الذي يقود إلى خلق حالة من الغضب والعداء المستمر بين مختلف شعوب العالم، في ظل الاستغلال الأجنبي للموارد الطبيعية الوطنية، فضلا عن السياسات المتبعة من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين عبر برامجهما المتمثلة بالإصلاح الاقتصادي القاسي (وربما المتعسف) المشروط باتباع سياسات معينة من قبل البلدان المطبقة لتلك البرامج.

وقد نتفق جميعاً على أن الإرهاب والعنف يقودان إلى الخوف والفزع والقلق والخلل في الحياة عامة، وبذلك تظهر آثاره وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية. وإن كانت الآثار والأبعاد الاقتصادية واضحة، حيث يعتبر الإرهاب مصدر تهديد خطيراً على اقتصادات الكثير من بلدان العالم لما تسببه الهجمات الإرهابية من تدمير للاقتصاد والدخل الوطني ما يضر باقتصاد الوطن كله، وقد تصبح الآثار والأبعاد الاجتماعية أشمل حيث يضرب الإرهاب مقومات المجتمع ككل. ومن النتائج الكارثية للإرهاب، تأثيره على الأقليات. فمرة أخرى، في نهاية العام الماضي، حصل نزوح جماعي مع سقوط مدينة الموصل العراقية التي كان يعيش فيها آلاف المسيحيين، فيما يقول الخبير في الشؤون السورية «فابريس بالانش» إن «700 إلى 800 ألف مسيحي فروا من مصر وسوريا والعراق منذ عام 2011».

وفي سياق التداعيات، لابد من الإشارة إلى السياسة الغربية التي ساهمت في تصاعد وتيرة الإرهاب، وثمة تقرير نشرته منظمة «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح» يؤكد أن دولاً شاركت في نشاطات إساءة معاملة لسجناء اعتقلوا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، فيما كانت إيطاليا هي البلد الوحيد الذي صدرت فيه أحكام قضائية على مسؤولين لتورطهم في هذه العمليات. وبذلك، فإن العالم الغربي (بشكل عام) مارس -أو سكت عن- إساءة المعاملة في محاربته للإرهاب، فأسهم ذلك في جعل الإرهاب عابراً للحدود.

ومن المعروف أن التطرف ليس حكراً على دين. فكل الأديان وكل المذاهب والثقافات أنتجت إرهابها، وإن بصور مختلفة، سواء عبر القتل أو التهجير أو الإقصاء، وهذا يعني أن الإرهاب ليس ظاهرة عربية أو مسلمة خالصة، بل إن عدداً متزايداً من المراقبين يتحدثون عن مسؤولية مباشرة لدول بعينها في تخليق واستغلال حركات «إسلامية» لأغراضها ولمصالحها. وقد أعلن «أولدرجيخ مارتينو» نائب «مدير منظمة الشرطة الأوروبية- يوروبول» أن «عدد الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب التنظيمات الإرهابية المسلحة في سوريا يبلغ نحو 30 ألفاً تقديرياً»، لافتاً إلى أن منظمة «يوروبول» لا تعرف العدد الدقيق للأوروبيين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق. وكان «روب وينرايت» مدير «يوروبول» أكد أمام لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم البريطاني أن «وسائل الإعلام الاجتماعية تعتبر أداة تجنيد ودعاية وأن شبكة الإنترنت تستخدم بطريقة أكثر عدوانية وأكثر تخيلا من قبل».

ومع أنه يتحتم على المجتمع الدولي بأكمله محاربة الإرهاب فإن ثمة مسؤولية خاصة على الدول العربية والإسلامية، لأن معظم التنظيمات الإرهابية ترتكب جرائمها باسم الإسلام، فضلا عن أنه ما من دولة اليوم قادرة بمفردها على مواجهة هذا الخطر.
&