طلعت رميح

&

& عاد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إلى الحكم مجددا بعد تمكنه من الإفلات من أيدي خاطفيه الحوثيين والمغادرة إلى عدن.


لقد أبلغ البرلمان بسحب استقالته، وصار يتحرك كرئيس للبلاد، وهو بات يتخذ مواقف مختلفة عما كان يفعل من قبل، بعد أن تحرر من الضغط العسكري الذي كان واقعا عليه هو وقراره. لقد أعلن بوضوح عدم شرعية ما اتخذ من قرارات وإجراءات منذ دخول الحوثيين صنعاء، وأشار إلى ما جرى باعتباره انقلابا، بما يعني إلغاء الكثير من القرارات والاتفاقات التي وقعت تحت تهديد سلاح تلك الميليشيات الطائفية المتوحشة.. وهو ما يتطلب رؤية أخرى جديدة لإدارة الصراع.
كان هادي قد وصل للحكم محفوفا برؤية ونظرة تراه مجرد رئيس انتقالي مؤقت يعمل تحت الوصاية الدولية ومجرد منسق لما تتوافق عليه القوى السياسية اليمنية، وحين بدا أن الرجل قد اقترب من إنهاء المرحلة الانتقالية وآخرها إقرار الدستور، جرى الانقلاب عليه واختطافه واتخاذ إجراءات إقصائه من الرئاسة ومن المشهد السياسي في اليمن.
ويبدو الأمر مختلفا الآن - بعد أن عاد رئيسا للبلاد - بحكم ما تعرض له من خطف واحتجاز وإكراه واعتداءات جسدية، ولأنه يعود للحكم محفوفا بمساندة شعبية وبتأييد من المتظاهرين في الشوارع وبمواقف القوى السياسية والحراك المجتمعي والقبلي والمناطقي، التي رفضت الانقلاب عليه وضغطت للإفراج عنه ورفضت منح الشرعية للمنقلبين عليه. فكل ذلك يجعل هادي في موقع فترة رئاسة ثانية مختلفة عن الفترة الرئاسية السابقة وفي مواجهة تحديات مختلفة وفي وضع مطالب فيه بقرارات جد مختلفة.


فماذا سيفعل الرجل؟


هو الآن يواجه تحدي المواجهة مع الحوثيين من موقع مختلف ومقاربة جديدة جد مختلفة، هادي يتعرض الآن لحملة يشنها الحوثيون ضده بادعاء عدم مشروعية وجوده أو بقائه رئيسا، وهم باتوا الآن في وضع التغلغل بطريقة أو أخرى وبهذا القدر أو ذاك داخل مؤسسات الدولة خاصة العسكرية والإعلامية منها. وهو الآن خارج العاصمة التي اضطر للخروج منها هربا من خاطفيه، بما يعني أنه يواجه تحدي إنهاء احتلال الحوثيين للعاصمة، وتحرير بقية طاقمه في الحكم ممثلا في الوزراء ورئيس الوزراء. وهو لم يعد قادرا –حتى لو أراد-أن يظل على نهجه السابق والالتزامات التي كبلته بل بات مطالبا بصياغة طريق جديد يواجه به التحديات المتحققة على الأرض، وينسجم مع أهداف ورؤى القوى الأخرى المتعددة الاتجاهات، التي اصطفت خلفه خلال محنة الأسر والاختطاف. فشباب الثورة الذي انحاز إليه ورفض انقلاب الحوثيين لا شك ينشد مواقف أخرى للرئيس، وكذا حال القبائل التي خاضت معارك عسكرية دفعت فيها الدماء، فهي لاشك ستطلب مواقف أشد قوة من الرئيس، والأمر كذلك من قبل القوى السياسية الحزبية وبعض الرافضين داخل جهاز الدولة للحوثيين وانقلابهم.
وفي جانب آخر، فالرئيس اليمني واقع الآن تحت ضغط من القوى الانفصالية الجنوبية ويخوض حالة سياسية صعبة في داخل العاصمة المؤقتة حاليا.


فكيف سيتحرك الرئيس هادي؟


وسط تلك الظروف المعقدة، تبدو فرص الرئيس أقوى مما كانت عليه من قبل، على عكس ما يتصور الكثيرون.. وإذا كان أخطر ما يواجهه الآن هو حالة الحوثيين بكل ما يمتلكون من عوامل قوة عسكرية وما استطاعوا من السيطرة على بعض مؤسسات للدولة أو ما أضعفوه منها، فالواقع أنهم لم يكسبوا جديدا إذ هم كشفوا ما كان واقعا على الأرض يكبل الرئيس ويضعف مكانته، والآن خسائرهم أكبر. لقد وضعوا الآخرين في اليمن أمام أنفسهم وأظهروا حجم الخطر الطائفي المهدد لهوية اليمن وبقائه، وبذلك حددوا جبهة الحلفاء والأعداء أو هم دفعوا قطاعات واسعة إلى جبهة خصومهم، كما دفعوا الجمهور العام للدخول كطرف واسع التأثير في المعركة ضدهم، باعتبارهم أقلية سكانية وطائفية. وهم دفعوا القبائل والمدن العصية عليهم لاستجماع عوامل القوة والاحتشاد ضدهم، وفي الخلاصة دفعوا الآخرين للتمسك بالرئيس كواجهة شرعية وعلى أرضية المواجهة معهم. لقد تحقق للرئيس هادي ما لم يكن متحققا من قبل. لقد كان حاكما مكبلا بقرارات دولية وهو لم يكن سوى إحدى آليات المرحلة الانتقالية، كما كان واقعا تحت سطوة الباطل دون أن يملك القوة والقدرة لمواجهته، لكنه تحول الآن إلى وضعية الرجل القائد، الذي يملك تفويضا محددا بالمواجهة، تحت عين وبصر من قوى شعبية ومجتمعية، وبالاعتماد عليها.
وإذا كان الرئيس هادي سيظل متحركا بين خطى المرحلة الانتقالية – بتوابعها السابقة وضغوطها الدولية – وخط مواجهة الأوضاع المنقلبة وما ترتب عليها، فلا حل أمامه الآن سوى أن يطرح برنامجا وطنيا عاما يقوم على العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل التحرك والانقلاب العسكري للميليشيات الحوثية الطائفية،لا أن يغرق في لعبة المفاوضات.. وفي ذلك يجب أن يعتمد هادي على مزيج بين الأطر الرسمية والأطر الشعبية.
&