سالمة الموشي

انتهى مؤتمر "الإسلام ومحاربة الإرهاب" المنظم من قبل رابطة العالم الإسلامي الذي عبّر مشكورا عن رفض مسببات الإرهاب بكل أشكاله. فهل هذا كل شيء؟
من خلال كل ما يحدث في العالم من حولنا فإن الحديث عن مكافحة الإرهاب ورفضه سيبدو لنا متأخرا كثيرا عن وقته.


نعم، لم يعد "الإرهابي"، هو شخص ملثم مجهول الهوية يمسك بسكين. الإرهابي اليوم أصبح له ألف وجه، وألف طريقة ليكون إرهابيا وينال من الآخرين بكل طريقة. من ينال منك بلي عنق الحقائق وإقحام الدين ضمن تفسيرات تخدم منهجه هو إرهابي، من يوظف محبة الناس لله وللرسول ليسكت الآخر عن قول الحق هو إرهابي، من يظلمك ويأكل حقك المادي والمعنوي تحت ذريعة دينية أباحها لنفسه هو إرهابي، من يبعث لك مواد إعلامية مؤدلجة لبرمجتك على منهجه وفكره هو إرهابي. الإرهاب هو الاستحواذ على الفكر والجسد، هو قتل لوعيك قبل جسدك.


نحن ضد الإرهاب والإرهابيين من أي دين كان أو حزب أو جماعة، لكن القابلية والرفض وحدها لا تكفي! ووقوفنا ضد الإرهاب لا يعني أن نظل نتساءل: متى ظهرت داعش؟! وكيف ظهرت؟! وما ظروف ظهورها؟! ولماذا ظهرت في أماكن ذات قواسم مشتركة؟
الإرهاب مكون نفسي، وفكري ظهر منذ سنوات وأدى إلى شرخ كبير في الذات المجتمعية، ما أدى اليوم إلى حدوث ما يعرف بـ"الأنوميا" وهي: "حالة عدم الاستقرار"، أو حالة الاضطراب لدى الأفراد نتيجة انهيار كثير من المعايير والقيم والمثل العليا. وهذا طبيعي باعتباره رد فعل تجاه كل ما يحدث، فكيف يجمع إنسان ما بين تقبله ورفضه لشخص مسلم يقتل ويدمر ويقول في الوقت نفسه: الله أكبر.


تتجلى حالة "الأنوميا" وتتزايد بسبب حالة التفكك المعنوي النفسي الفكري، والانفصال بين المسلمات التي تدعو إلى السلام وبين ما يناقضها، والتناقض الفاضح بين ما يشاع من أفكار وتوجهات وبين ما يجري على أرض الواقع.
ويشعر المرء سيكولوجيا بالاغتراب والعبثية والانهيار الأخلاقي، ما ينعكس سلبا وعزلة وانحرافا عن واقعه، هذا على وجه التحديد ما يعيشه الإنسان المسلم اليوم، صغارا وكبارا لديهم علامات استفهام كبيرة حتى إنهم لا يعرفون كيف يجيب أحدهم عن سؤال أحد أطفاله حين يسأله عن حقيقة ما يراه، ويسمعه.

فمعظم الإرهابيين والقتلة الذين يشاهدهم على شاشات الفضائيات وعلى جهازه الآيباد تقول إنهم مسلمون، يقولون الله أكبر ثم يقتلون ويحرقون. إنهم ليسوا من كوكب آخر، أو دين آخر.


لكل هذه التناقضات تحتاج ليس إلى مؤتمر فقط، بل إلى قوة كبيرة ليظل الإنسان إنسانا لا تنفصم روحه وفكره عن واقعه. وإن صرخة واحدة لا تكفي لإزالة هذا القيء الكثير، والقبح الكبير. إنه نمط تيار وعي ظلامي يجب وقف تدفقه.