&محمد قيراط

& ما يجري هذه الأيام في ليبيا بصفة خاصة وفي المنطقة بصفة عامة من أعمال وحشية تقوم بها الجماعات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" يبعث على التفاؤل والتفكير في الحاجة إلى توحيد الصفوف ولمّ شمل دول الاتحاد المغاربي لمواجهة التحديات الكبرى والصعوبات التي تواجهها المنطقة.


بعد أكثر من ربع قرن أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد بتعداد سكاني يتجاوز أكثر من 80 مليون نسمة؟.
هل يُعقل ألا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواكشوط مرورا بالجزائر وليبيا وتونس بين دول الاتحاد؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟ والقائمة قد تطول وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية.
المنطق يقول إن التغييرات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة تبشر بالخير وتؤشر لربيع على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية وصناعة القرار.


وإذا شاركت الشعوب المغاربية في الفعل السياسي، فإنها وبدون أدنى شك، ستعمل على التكامل بين الدول الخمس، بما يعود بالفائدة على المنطقة برمتها. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية للنجاح والتكامل الاقتصادي.
بطبيعة الحال، كل شيء سيتوقف على نجاح المرحلة الانتقالية في كل من تونس وليبيا ونية السياسيين وصناع القرار في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا في خدمة شعوبهم بدلا من الاستثمار في الخلافات والوضع الراهن من أجل الاستمرار في السلطة.
فالاتحادات والتحالفات بين الدول نجحت بفضل الديمقراطية ونجحت بفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية والبشرية في كل قُطر على حدة، ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة.
فالاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية في الحكم الرشيد والديمقراطية والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة.
في الفترة ما قبل الربيع العربي كان هناك حكم تسلطي استبدادي في ليبيا وحكم فاسد في تونس.
أما بالنسبة للجزائر والمغرب وموريتانيا، فهناك حاجة ماسة إلى النظر إلى الأمور والمعطيات بمنطق جديد وهو منطق يقوم على احترام الحريات الفردية واحترام الشعب وإشراكه في العملية السياسية وفي صناعة مصيره ومستقبله.
نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدة، فيما يتعلق بالمجتمع المدني، والفضاء العام والأحزاب السياسية والمعارضة والنظام الإعلامي الحر والمسؤول والملتزم والفصل بين السلطات والقضاء العادل... إلخ.
لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة أن تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية. لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة ووجه إنذارا شديد اللهجة لتلك الأنظمة التي ما زالت بعيدة كل البعد عن شعوبها وعن الواقع وما زالت تعاني من فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها والواقع.


فرغم خطر الإرهاب والأزمة الخانقة التي تعصف بليبيا وتحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي والتنافس الأوروبي الأمريكي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم.
أزمة القضية الصحراوية وتعقدها بالنسبة للمملكة في المغرب والنظام في الجزائر كانت، وما زالت عبر ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن، الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد.
وهذا ما يتطلب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال بطريقة ترضي الجميع ومن أجل مصلحة الجميع.
الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات هائلة، سواء كانت مادية أو بشرية، غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية والسلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع. النظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي وما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد. فالفجوة إذن كبيرة جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة عن تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها.
فدول الاتحاد اليوم عاجزة عن إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة ولا شبكة طرقات سيارة تربط دول المنطقة، ولا ربط كهربائيا تستفيد منه كل دول الاتحاد.
ومن هنا فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماما، والعمل المشترك بين دول الاتحاد نجده غائبا على مختلف المستويات، سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة...إلخ.
فبدون تكامل اقتصادي وبدون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة لا يكتب النجاح للاتحاد المغاربي ويبقى بذلك جسدا بلا روح.
دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لابد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير الفرد العربي وإعطائه إمكانات الخلق والإبداع حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.


لقد حان الوقت أمام دول الاتحاد المغاربي لتعي أنها أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية، أو المحافظة على الوضع الراهن، وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة.
فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع، الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قُطر وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد، بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية في إطار نظام مغاربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء بدون مزايدة ولا مساومة.
فشعوب المغرب العربي تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أنظمة قوية تستمد قوتها من شعوبها ومن العدالة والديمقراطية والحكم الرشيد، كما تحتاج إلى عمل مشترك قوي وفعال يقوم على رؤى وإستراتيجيات واضحة وعلى الأفعال وليس الأقوال والشعارات الفارغة والرنانة.
الوقت مناسب تماما بعد هبوب رياح التغيير على المنطقة وبعد انهيار نظامين فاسدين في المنطقة، هل ستستغل دول الاتحاد المغاربي الفرصة وتبدأ عهدا جديدا؟ عهد اتحاد الشعوب وليس الأنظمة والقادة، اتحاد الديمقراطية والشفافية ومحاربة الفساد واستغلال فرص التعاون والتكامل في المنطقة.
&