خليل علي حيدر

«ثلاث فرص كبيرة» أهدرها تيار الإسلام السياسي في مصر، وبخاصة جماعة «الإخوان المسلمين»، محور موضوع كتبه الأستاذ محمد الشافعي رئيس تحرير مجلة «الهلال» في سبتمبر 2013. كانت الفرصة الأولى تضمن لهذا التيار أن يستثمر فرصة الحكم التي جاءته بعد سنوات طويلة جداً، ومن ثم الاستمرار في هذا الحكم، وذلك بالنجاح في الحصول على الرضى الطوعي من الجماهير، ولكن «الإخوان» فعلوا عكس هذا. فعلى مدى عام كامل، يضيف الشافعي، «لم يصدر عن مرسي قرار واحد يصب في مصلحة الغالبية العظمى من الجماهير المصرية. وقد انشغل ومعه جماعته طوال هذا العام، بمحاولة الثأر من أعداء الماضي والحاضر، وتسريع عمليات التمكين من خلال التواجد في مفاصل الدولة المختلفة». أضاع الإخوان بعد ذلك فرصتين! الأولى، «الاقتداء بالإمام الحسن بن علي رضي الله عنه». إذ قرر الإخوان «الاقتتال من أجل حكم لم يحسنوه». أما الثانية، وكانت تضمن لهم الخروج الآمن والكريم، يقول الشافعي: «فكانت في الاقتداء بالقطب الإخواني التركي نجم الدين أربكان، والذي كافح طويلاً حتى استطاع أن يصل إلى حكم تركيا في عام 1995، من خلال تشكيل حكومة ائتلافية.. وبعد عامين تدخل الجيش التركي وأزاح أربكان.. فما كان من الرجل الحكيم إلا الاختفاء النهائي عن المشهد السياسي التركي».

لحسن الحظ، أستاذنا الفاضل محمد الشافعي، لم تكن قيادة الإخوان في مصر بهذا الذكاء والحنكة! فلو كان قادة الجماعة ودعاتها الكبار بهذا الدهاء فلربما امتد سلطانهم على مصر سنين طوالاً!

&


ولحسن طالع الشعب المصري، وشعوب بلدان الخليج والعالم العربي، هيمن الغرور على الجماعة.. فطواها التاريخ. «بعد فشل جماعة الإخوان في الخروج الآمن والكريم»، يستطرد الشافعي في تحليله، وبعد «تجربتهم البائسة في الحكم»، ارتكبوا نحو خمسة أخطاء. فقد صوروا خسارتهم المعركة السياسية وكأنها حرب على الإسلام، وتبنوا خطاباً تحريضياً على مؤسسات الدولة، وقاموا ببث الشائعات وبذل أقصى الجهد في شق صف الجيش المصري واستهدف الشرطة، وبعد نجاح الدولة في فض اعتصامي «رابعة» و«النهضة»، انفجرت ماسورة العنف والتخريب، ومحاولة إدخال البلاد في حرب أهلية دون أن يدرك «الإخوان» أنهم بهذا يدمرون سمعتهم وسمعة بقية الإسلاميين، ثم قاموا بمحاولات مستميتة للاستعانة بالقوى الخارجية لدرجة الدعوة إلى التدخل العسكري في مصر.

وتساءل الكاتب: ما المخرج من هذه الأزمة؟ حذر الشافعي، رغم كل شيء، من الاندفاع نحو سحق فصائل تيار الإسلام السياسي، ولكن لابد من محاسبة المخطئين. فلا توافق ولا تسامح مع من تلوثت أياديهم بدم المصريين، ولابد من الوصول إلى قاعدة التيار الديني وخاصة الشباب الذين لجأوا إلى هذا التيار انبهاراً بالفكرة الدينية، ولابد من تقديم قيادات الصف الأول والثاني والثالث من جماعة «الإخوان» للمساءلة القانونية.

وطالب «الشافعي» الدولة وضع السياسات الكفيلة باجتذاب الشباب بدلاً من هروبهم إلى صفوف الإخوان وغيرهم. وربما تطلب هذا الاستفادة من الأزهر، وارتقاء فصائل التيار الإسلامي لمواجهة المسؤولية و«ألا يخسروا مصريتهم وانتماءهم الوطني».

وشارك القيادي «الإخواني» المنشق د. ثروت الخرباوي في نفس العدد من «الهلال» بمقال شكك فيه حتى بجدوى الصلح مع جماعة «الإخوان». وتساءل في مقاله المعنون «ليس كل الصلح خير»، هل من سبيل للتصالح مع جماعة «الإخوان»؟ وأجاب قائلاً: «لا ينبغي أبداً أن نعمم. فمن المقطوع بأن من لم يشارك في أي عنف أو إرهاب من أفراد جماعة «الإخوان»، فله أن ينخرط في الحياة السياسية». ولكن د. الخرباوي قال بأن مثل هذه القاعدة لا ينبغي أن تفتح المجال للإخوان المسلمين لدخول الحياة العامة ثانية كحزب وكتلة. «وأول ركيزة ينبغي أن نسبر غورها هي موقف الإخوان من الوطن، ثم رؤية الإخوان للفصائل السياسية المختلفة، ومدى إيمانهم بالديموقراطية وتداول السلطة، ويأتي بعد ذلك البحث عن دين الإخوان وخياراتهم الفقهية».

فالمرشد السابق للجماعة مهدي عاكف، صاحب العبارة «القبيحة حينما تحدث بصوته الفظ المبحوح قائلاً: طظ في مصر»، أردفها بعبارة أخرى هي «نحن كإخوان نقبل أن يحكمنا مسلم من أي بلد في العالم ولو كان من ماليزيا». فلا قيمة للوطن، ولا أهمية للمواطنة، وليس لدى الجماعة ما يمنعها من التخلي عن أجزاء من الوطن.

وينقل د. الخرباوي عن مرشد «الإخوان» الخامس مصطفى مشهور أنه كتب في بعض كتيباته أن الديموقراطية «ما هي إلا لغو وعبث لا علاقة لها بالدين بل هي تخالفه». وفي موضع آخر يقول مشهور: «كيف لهؤلاء أن يفكروا في مصطلح تداول السلطة إذا وصل الإخوان للحكم، فهل يمكن أن يفكر أحدكم في أن يترك الإسلام حكم العباد ويتنازل عن التكليف الذي كلفه الله به لكي يترك الأمر لفرقة تدين بمنهج غير منهج الإسلام؟». كلام د. محمد مرسي الذي قاله بأن «الإخوان» سيحكمون أكثر من خمسمائة عام يفضح إذن نوايا الإخوان في الاستمرار في الحكم والاستقرار على الكرسي. إلى الأبد.
&