ديانا مقلد

قبل نحو عام تماما، كان الشك يحيط بأي بحث عن صورة أو معلومة أو خبر عنه. السائد حينها هو التكتم حول دوره وحركته، أعني قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. كانت للرجل مهمة هي تصدير قيم ثورة الخميني خارج الحدود الإيرانية وما عناه ذلك من مزج بين الآيديولوجيا الدينية والعمل الأمني، لكن دائما تحت ستار من الغموض والسرّية.


تغير الحال الآن..
لم تعد اللقطات الخاصة بالرجل بكاميرات غير احترافية نادرة ولم تعد الفيديوهات الأرشيفية له مجرد ثوان من مناسبات عامة ظهر فيها سريعا. فمنذ أشهر باتت صور قاسم سليماني وفيرة وعالية الجودة. فقائد فيلق القدس وبشكل متعمد ومقصود يبتسم للكاميرا ويسهب في الظهور في لقطات ينظر فيها مباشرة إلى العدسة ليتحقق من نجاح لقطاته معانقا جنودا ومقاتلين إيرانيين وعراقيين وسوريين في العراق وسوريا متفقدا جبهات ومشاركا ومخططا للقتال. كان هنا في بيروت يزور ضريح قتلى حزب الله الذين سقطوا في القنيطرة السورية والخبر والصورة نشرا علنا..
لم يعد سليماني تلك الشخصية الكتومة التي تراوح دورها على امتداد عقدين تقريبا ما بين الأسطرة والحقيقة. ها هو يقولها لنا صراحة: نعم، أنا رجل إيران القوي المسؤول عن تمدد الدور العسكري الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وهذه صوري وأنا أسافر وأوزع أدوارا وأدير معارك خارج حدودي، ومخترقا سيادات دول أخرى، وأولئك المقاتلون يأتمرون بما أقول.


الصور بحد ذاتها تحول في استراتيجية طهران التي قررت أن تشهر دورها بلا أي مواربة أو التباس. والحجة في هذا التحول جاهزة: «نحن نحارب (داعش) والتكفيريين. الصور والمقالات التي تروج لسليماني وحركته الظاهرة تقدمه بصفته الشخصية التي تواجه أبو بكر البغدادي. هل تعتقدون أن قوات التحالف هي من أوقف تقدم داعش»، قالها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في لقاء تلفزيوني ساخرا من الغرب وناسبا وقف تمدد «داعش» لسليماني وإيران..
إذن بحسب الرواية الإيرانية وروايات المتحالفين معها سليماني هو الشخص الوحيد القادر على إيقاف «داعش» وهو يقود الجبهة التي تواجه قاطعي الرؤوس والتكفيريين الذين يمارسون عنفا رهيبا..
لكن ما هي استراتيجيته في وقف هؤلاء الدمويين؟
في سوريا دعم سليماني جيش بشار الأسد وحال دون سقوطه، فهو يحاول ضبط قاطعي الرؤوس بمطلقي البراميل ويستعيض عن حارقي الجثث بمعذبي المساجين حتى الموت..
في العراق، وهي الساحة الأقرب والأهم لإيران، تجري محاربة «داعش» عبر ميليشيات من نوع «عصائب أهل الحق» و«كتيبة بدر».. ميليشيات خاضعة مباشرة لإمرة سليماني. أما كيف توقف هذه الميليشيات تمدد «داعش» فهذا ما توثقه لنا تقارير عديدة ليس آخرها ما نشرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن اعتماد تلك الميليشيات عمليات إعدام جماعي لسجناء وحرق بعضهم وحرق وتجريف منازل في مناطق ديالى حيث السيطرة الإيرانية تامة اليوم في العراق..
يستعمل البعض حين يريد أن يقنعنا بإيران سؤالا ساذجا: أيهما أفضل إيران أم «داعش»؟ على اعتبار أن النتيجة محسومة.. ولكن من قال إن الخيار الذي نرغب به هو أي شيء أقل من «داعش»؟
ثم أن نقبل بممارسات «عصائب أهل الحق» و«كتيبة بدر» بذريعة أنها أقل إجراما من «داعش» فإن ذلك يشكل منتهى الانتهاك.. ناهيك أن المقارنة تفقد قيمتها حين تصبح المقارنة بين قاطع للرأس ومنفذ إعدام جماعي وحارق للسجناء.. ويبدو أن الفارق يضيق حين تبتعد الكاميرا.. «داعش» تصور شراهتها للموت والقتل. و«عصائب أهل الحق» تولت «هيومان رايتس ووتش» توثيق انتهاكاتها؛ فعليكم بقراءتها، فابتسامات قاسم سليماني لن تحجبها..