علي سعد الموسى

نحن لم نصل إلى هذه الكذبة الكبرى عن أبي بكر البغدادي وأوهام خلافته إلا لأنه زُورت آلاف من أوراق التاريخ، ورُويت بكذب ممنهج خلال مئات الأعوام، وتاريخنا يحاول تزوير وتبييض الوجه الرمادي لمصطلح الخلافة. لم يُكتب لمئات الأجيال حقيقة أن ثلاثة من الخلفاء الأربعة الراشدين تم قتلهم بثلاث طرق بشعة، مثلما لم يُكتب للأجيال أن جثمان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يخرج من بيته لثلاثة أيام فتمنعه حشود "المناوئين" عن الوصول إلى المقبرة. لم يُكتب في صفحات التاريخ أن علياً - كرم الله وجهه - لم يتمكن من الحكم تحت المصطلح السياسي كخليفة بسبب "الأوضاع السياسية"، ولم تُكتب قصة الحسين المأسوية والموغلة في البشاعة حين تمت تصفيته مع أهله تحت مصطلح "خلافة" بني أمية، ولم ينج من المهلكة سوى عمته التي عادت للمدينة لتروي قصة ذلك الصباح الأسود. هناك من كذب عبر أوراق التاريخ على حقوق مئات الأجيال في معرفة حقيقة مصطلح الخلافة. نحن لم نقل لهذه الأجيال إن أول أيام خلافة أبي العباس السفاح كانت مائدة طعام فوق سجادة يئن تحتها أرامل وأطفال الخلافة السابقة لبني أمية، فيما كان الخليفة يستمتع بلذة الطعام فوق "نصف الأحياء ونصف الأموات"، ولم يخرج من القاعة إلا بعد أن اطمأن على انقطاع النفس الأخير من بني أمية.


نحن لم نكتب في أوراق التاريخ أن خلافة "بني عثمان" امتدت لمئات من الأعوام السوداء، وكانت سوقا مفتوحة للنخاسة والتجهيل والإقصاء، ومسرحا مفتوحا لأخشاب الإعدام شنقا في مدن الشام ودلتا مصر، وأيضا مساحة مفتوحة لتهجير قادة قبائل جزيرة العرب وأعيانها إلى سجون "الأستانة" الحجرية. هناك من كذب على حق كل هذه المئات بمعرفة الحقيقة التي لم يُكتب من حقائقها سوى أوهام "وا معتصماه" التي حركت جيشا طرفه في "سامراء" وآخره في "ديار بكر"، وكأنهم يتحدثون عن جيش من النمل، في تزوير ممنهج اختصر كل هذا التاريخ في صرخة وكلمة. ومن أجل هذا التزوير الطويل لصفحات التاريخ لا يزال بيننا اليوم من سيقول "وا بغدادياه" شوقا واستغاثة إلى الخليفة الجديد أبي بكر البغدادي، لأن كل هذه الأوراق الهائلة من التاريخ كُذب علينا فيها، وزُورت كل حقائق تلك الأيام السوداء في ثنايا الورق الأبيض. هذا التاريخ المزوّر هو من أنتج لنا عقولا تتعاطف مع أبي بكر البغدادي السفاح، لأنها آمنت من قبل بأبي العباس السفاح، وأيضا تعترف بفضله الخارق "كخليفة". إنها أزمة تؤمن بالسفك والقتل.