ياسر الغسلان

لم أستغرب تدمير مرتزقة "داعش" الآثار الأشورية في مدينة الموصل، وتصوير الحدث وترويجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره نصرا عظيما، فهذا العمل الذي يعد حربا معلنة على كل إرث إنساني وتاريخي، هو امتداد للعقلية الطالبانية التي سبق لها أن دمرت تماثيل بوذا عام ١٩٩٧، وذلك بتفجيرها بألغام لتمحوها من ذاكرة الشعوب، ولتؤكد أن العقل الإقصائي لا يرفض الحاضر والمستقبل فقط، بل يتجاوز ذلك لحدود الوقائع التاريخية وحقائقه المثبتة.


الآثار والتماثيل التي حفظت لسنوات طويلة في متاحف العراق هي سجل حي لعظمة تاريخ شعب عاش آلاف السنوات متناغما ومنسجما مع فسيفسائه الثقافية والدينية، وهو تناغم يرفضه كل عقل ومنهج يرى أنه الوحيد الصالح لدخول الجنة والمنقذ الأوحد للإنسانية.


لذلك أتى هذا الفعل الهمجي اللاثقافي واللاإنساني تكريسا للإرهاب الحقيقي الذي تطبقه هذه الجماعة في حق الأرض والإنسان، وتأكيدا على أن حربها لن تتوقف عند حدود العقل بل ستتجاوزها إلى حدود اللاعقل واللامنطق.
هل يتصور دعاة حماية الدين ومطبقو الشريعة هؤلاء أن هناك في هذا العصر مسلمين سيعبدون تلك الآثار ويتقربون إلى الله عبرها؟ وهل تدمير هذه القطع النادرة والثمينة قادرة على أن تهز من إيمان المؤمنين بالله؟ وهل غزوتهم تلك ستسهم في تحويل الكفار إلى مؤمنين بالله ورسوله؟ وأنهم بتدميرهم ذلك الإرث البشري ستتحول الأرض التي يسيطرون عليها ومن عليها إلى أرض يسكنها من قال عنهم الله عز وجل: "خير أمة أخرجت للناس"؟
أتساءل: كيف ولماذا صمدت هذه الآثار أكثر من ١٤٠٠ سنة ولم تدمر، رغم أن الموصل والعراق بكامله خضع لحكم رجال صاحبوا الرسول الأعظم ونهلوا من تعاليمه مباشرة؟ هل كانوا أقل حرصا على تطبيق الدين القويم من حفنة مرتزقة تحولوا بفعل الإغراء السينمائي والدعوات بحور العين إلى قتلة وجزارين؟
الجواب الذي لا يقبل الجدال هو: لا والله، لم يكونوا دعاة للرحمة والدعوة بالتي هي أحسن، ولا جنودا حاربوا باسم الله عز وجل لأجل إنسانية متسامحة ومتصالحة مع نفسها ومع التاريخ الذي كانوا وأصبحوا جزءا منه.
لم تنته قصة "داعش" هنا ولن تنتهي، ما دام العالم يتعامل معهم على أنهم جماعة مندسة، فهم تكوين مطابق لطالبان لا لجماعة القاعدة، وبالتالي فإن الحرب المعلنة لن تحقق أي نتائج ما دامت تأتيهم الضربات من الجو فقط.