أحمد يوسف أحمد

في الحادي والعشرين من شهر فبراير الماضي، نجح الرئيس اليمني الذي كان قد تقدم باستقالته في كسر طوق الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون في عملية لم تعرف تفاصيلها بعد، ولكنها في كل الأحوال تشير إلى خيبة حوثية هي الأولى من نوعها منذ توالت خطوات انقلابهم وصولاً إلى الإعلان الدستوري الذي يحاولون أن يسيطروا به على كل مفاتيح السلطة في اليمن.

وقد رأى البعض فيما حدث تطوراً سلبياً، فالرئيس هادي قيادة سيئة لديهم ولهؤلاء استلهم عبارة لنجيب محفوظ في رائعته «اللص والكلاب» فأقول: طوبى لليمن لو كانت فيه قيادة سيئة واحدة، وهناك من زعم أنه فاقد للشرعية فليدلوني على جهة واحدة تتمتع الآن بالشرعية في اليمن! فالمعادلة اليمنية الآن مبنية على القوة وحدها، ولذلك، فإن السؤال المهم للحاضر والمستقبل هو: هل يملك هادي القوة التي تمكنه من التأثير في المعادلة؟ والواقع أنه كان من الواضح قبل أن تتطور الأحداث المتعلقة بسيطرة الحوثيين أن هادي قد نجح في أن تكون له قاعدة قوة ما في جنوب اليمن الذي ينتمي إليه، وهو ما يتسق حتى الآن مع استقراره في عدن واتخاذه قرارات بإلغاء كل ما أقدم عليه الحوثيون وإجراء بعض التعيينات، وتغيير حرسه الرئاسي واجتماعه بفعاليات سياسية وعسكرية مهمة من الجنوب والشمال معاً، وتأييد عدد من الأحزاب اليمنية له، وخروج مظاهرات موالية له في عدد من المدن اليمنية، ولاسيما تعز ناهيك عن التأييد الخليجي والعربي والدولي له.

&

وتبدو الأمور الآن وكأن ثمة مركزاً ثانياً للحكم يوشك أن يتأسس في اليمن، وبغض النظر عن تقييم هادي وأدائه في موقع الرئاسة، فإن ما فعله يشير للمرة الأولى أن الدولة اليمنية ما زالت تتردد فيها بعض الأنفاس.

لقد طاش صواب الحوثيين مما جرى فاعتبروه «مارقاً» من دون شرعية (فليدلوني على شرعيتهم) وهددوا بمحاكمته، وهو تهديد أجوف طالما أن الجنوب خارج سيطرتهم، وقد هددوا بالفعل باجتياحه وهو تهديد أجوف أيضاً طالما أنهم ما زالوا غارقين في محاولات استكمال سيطرتهم على الشمال التي لا تتجاوز حتى الآن من المنظور الجغرافي سدس مساحة اليمن (إقليما آزال وتهامة)، وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه السيطرة مستقرة أم لا، ناهيك عن أنه بغض النظر عن مدى قوة هادي في الجنوب، وعن أن فصائل في الحراك الجنوبي تلقت دعماً إيرانياً، فإن الجنوبيين لا يمكن أن يقبلوا تكرار ما وقع في 1994، وكذلك فإنه من المؤكد أن هادي سيتلقى دعماً عربياً، وربما دولياً إذا أقدم الحوثيون على محاولة اجتياح الجنوب.

وعلى رغم ما يبدو من استقرار هادي في عدن، فإن هذا لا يعني أنه قادر على تغيير الوضع في الشمال بالقوة حتى لو تلقى دعماً عربياً أو حتى دولياً، أما تغيير الوضع بالوسائل السياسية فليس بمقدوره أيضاً إلا إذا حدثت نقلة نوعية في المعارضة السياسية والشعبية في مناطق السيطرة الحوثية.

ولذلك، فإن السيناريو المرجح للأسف في المدى القصير هو استمرار عدم الاستقرار وتقسيم اليمن من الناحية الفعلية طالما أنه أصبحت لدينا عاصمتان للحكم، وسيكون الحد الأدنى لعدم الاستقرار هذا هو تكريس وجود مركزين للحكم بينهما صراع، أما الحد الأقصى، فهو امتداد عدم الاستقرار إلى الأراضي التي يسيطر عليها كل مركز بمعنى وجود قلاقل داخل هذه الأراضي كأن يشتد الصراع داخل مناطق الحوثيين بينهم وبين «القاعدة»، أو داخل الجنوب بين بعض الفصائل ورموز الدولة اليمنية.

أما على المدى المتوسط، فيمكن لفعاليات المعارضة في الشمال أن تقوى نوعياً، ولتجربة هادي في الجنوب أن تنجح إذا تعلم من أخطائه، وفي هذه الحالة يمكن التفكير في تسوية تعطي لكل ذي حق حقه بمن فيهم الحوثيون عبر آليات انتخابية، وإشراف عربي ودولي.

أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه في الشمال وثابر المؤتمر الشعبي العام على مراوغاته أو تعرض هادي لتحديات داخل الجنوب كمحاولة حضرمية للانفصال، لا قدر الله، فإن طريق الأشواك في اليمن سيستمر.
&