أمير طاهري

تشير كل المؤشرات إلى نوع من التصميم لدى كل من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس الأميركي باراك أوباما للوصول إلى اتفاق ما بشأن القضية النووية الإيرانية.
كما يبدو أن الموعد النهائي الذي حدداه هو 31 مارس (آذار) والذي يتزامن مع نهاية عطلة رأس السنة الإيرانية الجديدة.


وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، في مقابلة أجريت مع وكالة «رويترز» الإخبارية، لمح أوباما إلى الخطوط العريضة للاتفاق المزمع إبرامه.


وبموجب ذلك الاتفاق يتم تجميد البرنامج النووي الإيراني لأكثر أو أدنى من المستوى الحالي، والذي، كما ذكره أوباما سريعا حتى لا يُحسب عليه ما يقول، سوف يجعل إيران على مسافة عام واحد من بناء أول قنبلة نووية لها إذا ما قررت في أي وقت لاحق المضي قدما في ذلك.


في المقابل، توافق إيران على الالتزام بذلك الموقف، والمعروف باسم «العتبة»، لفترة عشر سنوات، وهو بند «غروب الشمس» الذي يمكن استعراضه ومراجعته عقب خمس سنوات من الآن.
&

أخرى، إنه بعد خمس سنوات بحد أدنى وعشر سنوات بحد أقصى يمكن لإيران أن تتجاوز تلك «العتبة» من واقع عام واحد إلى شهور أو حتى أسابيع وتتأهب بأقصى طاقة لها لإنتاج ترسانة نووية محلية.


وتستفيد إيران، كمكافأة على قبول فترة الاختبار المحددة من خمس إلى عشر سنوات، من التخفيض التدريجي باتجاه الرفع النهائي لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ فترة التسعينات. (هناك مجموعة من العقوبات التي فرضت قبل ذلك التاريخ وتتعلق ببعض التصرفات غير المسؤولة التي صدرت عن إيران والتي لن تتأثر بأي اتفاقية تبرم حيال القضية النووية).


وباعتبار إبرام الاتفاق بالفعل، فإن ذلك الاتفاق يرقى في مضمونه إلى اعتراف إيراني بارتكاب بعض الجرائم، وبالتالي يتعين عليها تحمل فترة الاختبار الدولية لمدة تصل إلى عقد من الزمان.
كما يمنح الاتفاق كذلك مجموعة «5+1»، والتي تعتبر الولايات المتحدة من أنشط أعضائها، حقا يُعرف في لغة الأوساط الدبلوماسية باسم «حق الإشراف» على الجوانب الرئيسية من السياسات الصناعية والاقتصادية الإيرانية.
غير أن العرض الذي قدمته مجموعة «5+1» فيه عدد غير قليل من الجوانب المثيرة للقلق. بداية من أنها مجموعة خاصة غير رسمية لا تزال مشروعيتها محل غموض كبير في أفضل أحوالها.


إننا لا نعرف ماذا تمثل أو من تمثل تلك المجموعة تحديدا. فهي لا تحمل تفويضا مباشرا من منظمة الأمم المتحدة، لأنه كان ينبغي صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن ذلك يحدد تشكيلها وماهيتها، كما يحدد قواعدها الإجرائية وبيان مهمتها الحقيقية. وهناك حقيقة مفادها أن المحادثات تجاهلت تماما ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن حول القضية النووية الإيرانية مما يُؤكد أن المجموعة «5+1» لا تعمل بالنيابة عن منظمة الأمم المتحدة.


لا تمثل تلك المجموعة أي تحالف اقتصادي أو عسكري، على سبيل المثال الاتحاد الأوروبي أو منظمة حلف شمال الأطلسي. كما أنها لا تمثل حتى تجمعا دوليا غير رسمي، ولكنه يحظى باعتراف عالمي مثل مجموعة الدول الثمانية الكبار «G - 8» إلا إذا كان ذلك راجعا إلى استمرار روسيا عضوا في مجموعة «5+1» رغم طردها من نادي الثمانية الكبار.


خلاصة القول: ليس لمجموعة «5+1» أي وجود قانوني، أو تفويض، أو بيان لمهمتها، وبالتالي ليست لديها السلطة لإبرام أي اتفاق مع إيران التي تعتبر دولة قومية مؤسسة على النحو القانوني الواجب، وهي عضو في منظمة الأمم المتحدة وبالتالي تتمتع بالسيادة الكاملة والشرعية.


ثم نأتي لطرح سؤال حول من يقوم بالتوقيع على أي اتفاق وبالنيابة عمن. تعتبر الإجابة واضحة على الجانب الإيراني، فأي مسؤول مخول له حق التوقيع من قبل الجمهورية الإسلامية يمكنه القيام بذلك. ولكن، ماذا عن الجانب الآخر؟ فهل ستوقع الدول الأعضاء بمجموعة «5+1» جميعها على الاتفاق، وإذا كانت الإجابة بنعم، فعلى أي مستوى؟
وحتى ذلك الحين، ماذا سوف تصنع السيدة فيديريكا موغريني مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي؟
وهناك سؤال آخر يتعلق بوضعية ما يتم التوقيع عليه في نهاية المطاف. فهل سوف تكون عبارة عن قائمة من الأمنيات الطيبة، كما كان الحال مع ما يعرف باتفاق جنيف، والذي انتهى به الأمر لأن يكون مجرد بيان صحافي؟
أم أننا نهدف إلى التوقيع على مذكرة تفاهم والتي هي، ومن واقع التقاليد الدبلوماسية، ليست إلا نسخة خام من معاهدة ملائمة؟ أو، ربما، يكمن الهدف في التوصل إلى معاهدة دولية في صيغتها الواجبة؟ في هذه الحالة، كل ما يتم التوقيع عليه بالأحرف الأولى مع نهاية المحادثات الحالية سيتعين اتخاذ الإجراءات التشريعية المناسبة حياله في إيران، وفي دول مجموعة «5+1» وفي كل الدول الأعضاء الـ28 بالاتحاد الأوروبي.


تساورني الشكوك حيال ذلك، فعلى الرغم من أنه يتكون من الموالين للنظام الحاكم، فإن المجلس الإسلامي، أو البرلمان الإيراني المصطنع، قد يوافق على نص يُخضع البلاد للوصاية الأجنبية لمدة عشر سنوات كاملة.


لدى الإيرانيين من كل المشارب الآيديولوجية حساسية خاصة ضد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد الداخلية. ولدينا ذكريات مؤلمة منذ عام 1919 حينما حاولت كل من بريطانيا وروسيا فرض الوصاية على إيران، ولا تزال تلك الذكرى تؤلم قلوب الإيرانيين.


حتى الموالون للخميني، والذين يرفضون القومية مثلهم مثل عموم الإسلاميين باعتبارها انحرافا عن «الإيمان الحقيقي الوحيد»، لن يكون سهلا عليهم قبول اتفاق تلتزم إيران بموجبه بالحصول على موافقة القوى الأجنبية لأجل إنفاق أموالها الخاصة، وذلك لمدة عشر سنوات كاملة.


على الجانب الآخر، من غير المرجح للكونغرس الأميركي والبرلمانين الفرنسي والبريطاني الموافقة الشكلية على نص اتفاق يخول لإيران حق إنتاج القنبلة النووية في غضون عام واحد. كل المعاهدات الدولية تشتمل على آليات للتحكيم والتي من دونها يكون من المحال قياس امتثال الأطراف المعنية بالاتفاقيات المبرمة.


لذا، ما سلطة التحكيم؟ ومن الضامن للامتثال بأي نص اتفاق مختلق من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف؟
إذا ما استعرضنا البند الخاص بفترة خمس إلى عشر سنوات، فمن الواضح أنه لا السيد كيري ولا السيد ظريف يُحتمل لهما أن يحتفظا بمنصبيهما حتى حلول ميعاد بند «غروب الشمس» المذكور. وحتى ذلك الحين، لن نكون قد وصلنا إلى نهاية القصة بحال.


يتحتم على جهة أو شخص ما التقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي مطالبا بإلغاء كل العقوبات الاقتصادية السابقة والتي بموجبها خضعت إيران لعقوبات دولية طويلة الأمد.


سوف يتسبب الرئيس حسن روحاني مع فريق مستشاريه المعروف باسم «مجموعة نيويورك»، وحتى معسكرهم الخاص خميني - النزعة، في ضرر جسيم إذا ما أذعنوا لإملاءات صادرة عن مجموعة غير رسمية تحل محل القاضي، والمحلفين، والجلاد في ذات الوقت.


يحسن بإيران فعلا أن تجري محادثات مباشرة وشفافة على قدم المساواة القانونية مع الولايات المتحدة، من واقع أمة في مقابل أمة، ومع منظمة الأمم المتحدة بوصفها عضوا من أعضائها، ومع أي دولة أخرى يكون بينها وبين إيران قدر من الخلاف حيال كل المسائل المتنازع عليها.


يُعرف عن الملالي انتهاجهم للأساليب الملتوية من التقية (بمعنى التشويش)، والكتمان (بمعنى التصنع)، والاستتار (بمعنى الإخفاء) إذا ما أرادوا الاستسلام من دون فقدان ماء الوجه. ومع ذلك، فتلك الأساليب ليست أبدا جديرة بدولة قومية سليمة، وعلى الأخص دولة ذات كبرياء مثل إيران.