أسعد عبد الرحمن

إن بحث ودراسة العوامل الخارجية المسببة للإرهاب لا تقل أهمية عن العوامل الداخلية. والمتغيرات الدولية ترتبط أساساً ببعدي السياسات والقوى الخارجية التي تمارس بشكل مباشر أو غير مباشر ضغوطاً غير مناسبة على دولة ما لإرغامها على اتباع سياسة في صالحها، ما قد يولد حالة من الرفض والعدائية لدى طبقات من المجتمع يمكن أن تستغل في تأجيج الصراعات الداخلية والخارجية، الأمر الذي يضيف بعداً جديدا في تنامي الإرهاب عالمياً. وكان الإرهاب قد اكتسب أبعاده وخصوصياته مع نشأة النظام العالمي الجديد، خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. غير أن المسألة، زمنياً، هي أبعد من ذلك، إذ تعود إلى ذات الوقت الذي كانت فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية حاضنة للجماعات الأصولية، خاصة خلال الحرب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي أو «الأخطبوط الأحمر»، كما درج البعض على تسميته في ذلك الوقت.

ورغم تنوع وتعدد الجماعات الأصولية في العالم العربي فإن أسباب نشوئها واحدة، وهي تتلخص في تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأخرى إقليمية تتعلق تحديداً بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة بعد معاهدات السلام مع إسرائيل، حيث أدت تلك العوامل مجتمعة إلى ظهور وتعزز الجماعات الدينية، التي سرعان ما بدأت أنظمة عربية بقمعها عن طريق القوة. لكن، من داخل نطاق الحرب الباردة وشدة العداء للنظم الشيوعية، ساهمت بعض الأنظمة العربية في ترويج «فكر الجهاد» ضد الشيوعيين، وسهلت لـ«الشباب المؤمن» الوصول إلى أفغانستان لمقاتلة السوفييت. ومن المنطقي القول إن علاقة تحالف ما أو تعاون وتنسيق قامت بين قادة «الشباب المؤمن» والمخابرات الأميركية، عبر هذه الأنظمة، إبان فترة القتال ضد السوفييت في أفغانستان، باعتبار أن العدو واحد. لذلك، لم يكن غريباً قول الراحل «صلاح خلف» في عام 1987 بأن الأنظمة دفعت لمحاربة السوفييت في عام أكثر مما دفعته لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها.

&


وفي الوقت نفسه، يجب التأكيد على أن عدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية والكيل بمكيالين، ودائماً لمصلحة إسرائيل، ساهم في تنمية العنف والإرهاب في المنطقة وفي العالم، وهو ما أشار إليه العديد من المشاركين في الندوة الخاصة حول الإرهاب التي أقامتها صحيفة «الاتحاد» الإماراتية في أكتوبر الماضي، وكذلك مركز «الملك عبدالله بن عبد العزيز الدولي» في العاصمة النمساوية في 18 و19 نوفمبر، حيث اتفقوا في المجمل على أن من المفاتيح الأساسية لمحاربة تنامي الإرهاب إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. فليس من المنطق الاهتمام الغربي الكبير هذا بقضية الإرهاب فحسب، وإغفال القضايا الجوهرية، وعلى رأسها وأهمها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتعنت الإسرائيلي الذي يعزز الإرهاب في الإقليم وعلى امتداد العالم. وفي هذا السياق، يرى الكثير من الزعماء أن حل القضية الفلسطينية، العالقة منذ ما يقارب سبعة عقود، من شأنه أن يساهم في نزع أحد أهم الحجج والذرائع من أيدي المتطرفين، ويسهم في التخلص من العنف والتطرف والإرهاب الذي تعيشه المنطقة.

في السابع من أوكتوبر 2001، وبعد أيام قليلة من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، واتهام تنظيم «القاعدة» بالمسؤولية، بدأ الغزو الأميركي لأفغانستان، بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث تم تجييش الغرب تجاه ما أطلق عليها في ذلك الوقت «بؤر الإرهاب الإسلامي»، تبعها احتلال العراق. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، وافقت الدول العربية على المخاطر المتمثلة في «عولمة الخطر الإرهابي»، خاصة مع تزايد ظهور جماعات متطرفة تحمل أفكاراً إسلامية ترفض النموذج الغربي وقيمه العلمانية. فلم يعد هناك طريق ثالث وفق المنظور الأميركي: «إما أن تكون معنا أو ضدنا»، على حد تعبير بوش الابن، أي إما مع الولايات المتحدة أو مع الإرهاب. وبهذا، ساهمت سياسة الإدارة الأميركية المنفعلة في تنامي قوة الحركات الإسلامية الراديكالية، ليس في تلك الأماكن، التي احتلتها فحسب، وإنما في عديد من دول العالم، حتى بات الإرهاب يهدد مصالح ومواقع في العالم أجمع.

الحال الذي آلت إليه الأوضاع في ظل النظام العالمي الجديد والأحادية القطبية الأميركية، أسهمت في انتشار الإرهاب، رافقتها مواقف مجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ موقف قانوني أو أخلاقي جاد فيما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان، خاصة جرائم إسرائيل المتكررة في فلسطين، وما ترتب على سياسات الولايات المتحدة في الدول التي احتلتها أو تدخلت فيها، خاصة العراق الذي خلقت فيه نزاعاً طائفياً يصعب إصلاحه. وفي الوقت نفسه، تزايدت بؤر التوتر في معظم دول العالم، خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا، في ظل الآثار القمعية التي ترتبت على ما عُرف باسم «الربيع العربي».
&