&جاسم بودي&

إن أردت أن تعطي أمثلة على أخطاء سلطة ما فلن تجد أفضل من حكومات الكويت لتزويدك بكل ما ترغب فيه. ملفات بالجملة تتهادى أمام ناظريك وبتقنية وضوح عالية الجودة يحكمها عنوان واحد فقط: الحماية والبقاء.

الأخطاء موجودة في كل الملفات وكل القضايا، لكنني سأتكلم عن أمثلة تعتبر كشافاً ضوئياً بما أننا في طور التبشير بانتقال الكويت إلى مرحلة التنمية. التنمية فكر ورؤية واستراتيجية قبل أن تكون مشاريع تنفيذية بل يمكن القول إن المشاريع هي الترجمة للرؤية، وبما أن الخصخصة هي المدخل لنجاح عمليات التطوير عندنا وعند غيرنا فالأمر يقتضي أن يكون ملفها أحد أبرز الأولويات إن لم يكن هو الأولوية.

نراجع معاً القانون الرقم 37 لسنة 2010 في شأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص (لاحظوا السنة 2010) فنقرأ في المادة 22 منه «تصدر بمرسوم اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ستة شهور من تاريخ العمل به»، أي أن عملية التخصيص التي لا بد منها لانطلاق التنمية لن تدور عجلاتها قبل صدور اللائحة التنفيذية خلال ستة أشهر، وبما أن القانون كان نحو منتصف 2010 فالطبيعي أن تصدر اللائحة قبل نهاية ذلك العام.

باختصار، اللائحة صدرت... إنما الآن، أي في 2015، متأخرة عن موعدها فقط خمس سنوات.

طبعا بالنسبة لحكومة الكويت ماذا تعني خمس سنوات من التعطيل؟

ماذا يعني التأخر بالنسبة لمن تشدق بصرف أكثر من 40 مليار دينار على خطة تنمية لم ير الكويتيون ما قيمته 10 في المئة منها؟ ومن سيحاسب من أضاعوا مليارات التنمية الوهمية؟

المهم أن مجلس الوزراء ينعقد، وأن العلاقة بين السلطتين جيدة، وأن أموالاً حكومية تذهب إلى تكوين «مناصرين» مغردين يلمّعون ويدافعون عن الحكومة ويهاجمون خصومها فتعتقد بذلك أن عندها حصانة شعبية.

والأخطر أن هناك في الحكومة من يعتبر أن مجلس الأمة مضمون في الجيب على أساس أن هذا الاعتبار سيعفيه من المحاسبة أو سيسمح له بالتثاقل في المشي و«أخذ راحته» في المماطلة وعدم الإنجاز... وبالطبع لا خير في نائب لا يميز بين التعاون وبين التقاعس والتواطؤ.

مثال آخر، واستناداً إلى أرقام الحكومة دائماً، فإن مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية خسرت في 2013 و2014 ما قيمته 145 مليون دينار وهي تطلب من الحكومة إطفاء هذه الخسائر. اللافت أن الخسارة في 2013 بلغت نحو 67,6 مليون دينار ما دفع إلى إجراءات تقشفية في ذلك العام تمثلت في تخفيض الكثير من التكاليف والاستغناء عن عدد كبير من العمال وضبط المصاريف الأمر الذي يفترض طبيعياً أن تنخفض كثيراً خسائر المؤسسة للعام التالي خصوصا مع تسجيل نمو في حركة السفر... إنما ولأنك في الكويت، ولأن مرفقاً حيوياً مثل هذا تديره الحكومة، سجلت خسائر العام 2014 مستويات أعلى من السنة التي سبقتها. هل من تفسير غير تبرير الرؤى القاصرة والأدوات الفاشلة كي لا نقول أكثر من ذلك؟

ذكرني هذان المثالان بقصة صديق لي تقدم في الربع الأول من عام 2011 بكتاب إلى وزير المالية للحصول على موافقة من أجل تنفيذ مشروع رائد وفقاً لقانون المشاريع التنموية والمبادرات. وبعد انتظار سبعة أشهر كاملة جاءه كتاب من صفحة واحدة يبلغه برفض الحكومة لفكرته بحجة أن الحكومة ترغب بتنفيذها لاحقاً. الأدهى والأمر أن الصديق نفسه أرسل بعد تلقيه الرفض رسالة تظلم إلى رئيس الوزراء ومن عام 2011 وحتى اللحظة لم يتسلم أي رد.

الصورة كلها خطأ بخطأ بخطأ، لكن من يدفع الثمن للأسف الشديد البلد قبل الحكومة.

أتمنى أن تعي الحكومة جيداً أن متابعة السير في هذا الطريق مستحيلة، نقول هذا الكلام لأننا نحن أهل المصلحة في الأمن والاستقرار والتنمية وتطور النظام السياسي وتسليم الجيل المقبل أمانة دولة لا دويلات، وأمانة مستقبل مشرق لا ماض مظلم... تسليمه مفاتيح عهد جديد مرتكز على التنمية والعدل والمساواة والشفافية في العمل والإنتاج وتحصيل الفرص.

اليوم أقولها بالفم الملآن، قناعة كبيرة بدأت تتشكل لدى كثيرين بأنه في المستقبل لن يكون هناك مفاتيح لتسليمها للجيل المقبل اللهم إلا مفاتيح الحكومة الصدئة. وإننا في الحاضر لن نشهد تنمية بالمعنى العلمي ولن نشهدها في المستقبل قبل أن تتحرك الحكومة الحالية وتكشف لنا كيف صرفت مليارات المرحلة السابقة ووفق أي إطار ومن هو المسؤول عن تلك العملية الأشبه بالفضيحة.

وأتمنى ألا تتكرر أسطوانة أن مجلس الأمة لا يساعد مجلس الوزراء، فقد دلت التجربة أن المجلس الحالي الذي يصنف بأنه متعاون والمجلس الذي سبقه الذي يصنف بأنه مشاكس والمجلس الذي سبقهما والمصنف بأنه «بين بين» وكل المجالس الأخرى، لم تستطع أن تغير من النهج الحكومي الذي يبدو عصياً فعلاً على التغيير. الحكومة هي المسؤولة عن إدارة البلد هادن المجلس أم شاكس. هي السلطة التنفيذية المكلفة التخطيط والتنفيذ والمتابعة بينما البرلمان يراقب ويشرع... لكنها للأسف الشديد تتولى هذا الموضوع بطريقة خاطئة وغير مناسبة لأن الإدارة إرادة، والإرادة قرار، والقرار مسؤولية، والمسؤولية تعني أنك مؤتمن على خلق بيئة عمل تسودها قواعد المساواة والشفافية من جهة، ومراقبة التنفيذ كي تضمن حسن المسير، وكل هذه العوامل غائبة أو مغيبة أو في دائرة التجاهل المتعمد.

آآآآآخ يا حكومة، متى تستفيقين من سباتك وتزيلين الصدأ عن ملفاتك قبل أن يمتد إلى مفاصل البلد كلها... أم أن سبات أهل الكهف سينسحب على العقود المقبلة؟

&
&