عزة السبيعي

إذا استعرضنا جرائم داعش وعرضها الهوليوودي ومخالفات التعذيب التي لا يقبلها الإسلام والقمصان البرتقالية...إلخ، فإنها تبدو فيلما من إعداد جهاز مخابرات وليست مجرد هواة يريدون أقصر طريق نحو الجنة

&


المرأة في التسجيل الصوتي الذي تسمعه عند توقف القطار في إحدى المحطات البريطانية تنبه الركاب أن عليهم التنبه لأي تصرف غريب أو شخص مشتبه به أو أمتعة ملقاة. أحاول أن أشغل نفسي لكنني في كل مرة أشعر أن ثمة من ينظر نحوي متهما حجابي بأنه يخفي رأسا يخطط لحدث إرهابي، والأسوأ عندما يتوقف القطار وتقفل الأبواب لخلل ما ويبدأ الناس يتهامسون، ثم يوجهون نظراتهم نحوك، أو عندما تنسى حقيبتك في مكان ما وتعود لتأخذها فتجدها في وسط دائرة قطرها عدة أمتار.


تلك المواقف الصغيرة لشخص ينتمي لبلد عظيم وآمن وسيقضي فترة وسيعود لوطنه، بمعنى أنها ليست بذلك السوء من الأثر، لكن تصور أن يشعر بذلك شخص ولد وتربى وعاش في بريطانيا ويظن في داخله أنه ينتمي لها كليا حتى لو كان ليس علمانيا مثلها أو يغطي رأسه مثلا، ثم في موقف اشتباه يتلقى سيلا من الإهانات يتساءل معها إن كان بريطانيا حقا أم أن انتماءه مجرد ورق وحبر!!
هل يعاني المسلمون في بريطانيا من الإقصاء وانخفاض نسبة التسامح التي ربما وجهت نحوهم ذات يوم؟ لا أشك أن الإجابة: نعم.


يقول صديق محمد الموازي المتهم بأنه ذباح داعش: إن القوانين التي سنتها بريطانيا مؤخرا هي التي تسببت بتطرف الفتى محمد خريج جامعة وستمنستر وعاشق الموسيقى.. في رأيي أن ذلك يحمل جانبا من الحقيقة، خاصة إذا شمل ذلك الإعلام الذي تتصدر صفحاته الأولى قضية مثل هرب الفتيات إلى داعش، أو تلويح مراهق بعلم داعش، ولا تجد قضية مثل قتل ممرضة عشرات المرضى أو شاب لوالدته أو أم لولديها أدنى درجة من الأهمية، لأن الأكثر جاذبية أن تقول: "تصرف مسلم" ما يجعل الناس تظن أن مجتمعها ملائكي ومشكلته تتمثل في المسلمين فقط، فيواصل الإقصاء كردة فعل جامحة تؤذي جزءا من الشعب عدده يجعل دينه الدين الثاني في بريطانيا.


في الواقع هناك بعض التقدير تظهره الحكومة للمسلمين، لكنه لا يحمل أي تأثير، لأنه يوميا هناك رسائل كراهية نحو المسلمين توجه ويقرأها الناس في الجرائد المجانية الملقاة على أرصفة القطارات في لندن وباقي المدن البريطانية.
كما أن هناك شيئا آخر، هذا الفتى تعرض للإيقاف في تنزانيا في المنطقة نفسها التي عاش فيها مايكل الفتى المسلم ناحر الجندي البريطاني، ويقال بحسب تقارير إنه أهين وضرب واعتدي عليه جنسيا، ولا يمنع أن يكون ذلك حدث لمحمد أيضا، خاصة أن لا شخص يبدو غاضبا هكذا وينحر الناس بكل هذه الكراهية إلا وقد أوذي بعمق، فتشوهت فيه إنسانيته ولم يعد يذكر سوى الانتقام، وهذا يقود للحديث عن سجون أميركا في العالم الثالث في العراق وغيرها التي أفرزت شبابا راغبا في الانتقام فقط!!
من جانب آخر، هناك تقارير أخرى نشرتها الصحف البريطانية عن تعرض الفتى لمحاولات لضمه للاستخبارات البريطانية، وهدد هو بالانتحار إذا لم يكفوا عن تهديده الغريب، وفي الوقت نفسه ظهرت قضية أخرى بطلها مسلم آخر اعترف في البي بي سي بأنه كان عميلا للمخابرات البريطانية، وكان يخطب في المساجد داعيا إلى الجهاد وهو أيمن دين المجاهد السابق والمخبر الحالي.


مما يدفع بسؤال: هل محمد الموازي هو نتاج الإقصاء أم أنه عميل استخباراتي بريطاني في معرض حرب الغرب على الإسلام كما يسميها البعض؟
إننا إذا استعرضنا جرائم داعش وهذا العرض الهوليوودي ومخالفات التعذيب التي لا يقبلها الإسلام كالحرق بالنار والقمصان البرتقالية...إلخ، تبدو فيلما من إعداد جهاز مخابرات وليست مجرد هواة يريدون أقصر طريق نحو الجنة، خاصة مع اعترافات أيمن دين وقصص أعضاء من القاعدة كانوا مجرد رجال في الاستخبارات الأميركية.


إن كل ما سبق هو محاولة لتفسير هذا السلوك الوحشي الذي يرتكبه شباب مسلم هادئ ومتعلم وهو قطعا لا يبرره.


إن بريطانيا كبلد تهتم بحرية الخطاب الإعلامي قد لا تستطيع كحكومة منع الصحف عن الخوض اليومي في سلوكيات المسلمين وتعظيم أخطائهم وتشويه سمعتهم داخل المجتمع، ما يحمل هذه الصحف أمانة الإنسانية، فليس من اللائق بمؤسسات ثقافية أن تكون سببا في صناعة الإرهاب.


أما احتمالية دور الاستخبارات فرغم وروده إلا أنه حتى لو ثبت فلن يذهب بعيدا، فلو أراد الله لهذا الدين أن يقوم من جديد فلن تفيد كل تدابيرهم.
&