&&محمد مصطفى علوش

&قبل أيام قليلة نشر تنظيم "داعش" تسجيلاً مصوّراً لشاب تونسي يدعى أبو طلحة التونسي، يتلو فيه وصيته قبل قيامه بعملية انتحارية على تجمع لقوات الجنرال حفتر في بنغازي.
بدا الشاب في مقطع الفيديو مليئا بالسعادة والثقة، وهو يهدد تونس بالذبح، متوعداً بالمفخخات التي ستضرب البلاد من برج الخضراء إلى بنزرت قبل أن يتوجه بسيارته إلى أحد معاقل قوات حفتر ويفجرها وسط تكبيرات زملائه.
تونس مستهدفة مرة أخرى من الإرهاب وهي التي تُوّجت مطلع العام 2011 بأنها أول بلد عربي يدشن ثورات الربيع في وجه النظم الفاسدة، ثم في العام 2014 توّجت بأنها أول من يقدم نموذجا للتعايش بين القوى المدنية ونظيرتها الإسلامية في تطبيق عملي على إمكانية التعايش بدل الاقتتال والتطاحن والإقصاء المرّ التي تشهده نظم عربية لا ترضى وجود الإسلاميين في الحياة السياسية وتضعهم جميعا في سلّة واحدة هي سلّة الإرهاب، وتتبرع بمحاربتهم خارج حدودها.
تونس التي قدم الإسلاميون فيها نموذجا للحركة الإسلامية التي تسعى لبناء الوطن وليس التشبث بالسلطة حين غادرت حركة النهضة الحكم، وتركته حقنا للدماء ورغبة في بناء البلاد، ووقفت بقوة في وجه أيّ إقصاء سياسي في مثال حيّ ونموذج متكامل كان على حركات إسلامية عربية ولدت من نفس الرحم الذي ولدت من حركة النهضة أن تنتهجه، ولو فعلت الحركة الإسلامية ذلك في بعض البلدان لجنبت نفسها وشعبها وبلادها والثورات الكثير من الويلات.. هي نفسها تتعرض للإرهاب بل إنها المصدرة الأولى له في العالم العربي وفق ما تقول أغلب الدراسات البحثية.
ففي تقريره السنوي الصادر نهاية العام المنصرم 2014، وتحت عنوان "الدولة الإسلامية: الوجه المتغيّر للجهادية الحديثة" يورد معهد "كويليام" البريطاني، المختص في مكافحة الإرهاب والتطرف أن تونس تتصدر قائمة البلدان "المصدرة" للجهاديين"، إلى بؤر التوتر بما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف مقاتل. ويؤكد شيئا من ذلك المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالملف الأمني «رضا صفر» في حوار خص به جريدة «التونسية» في حوار نشر في 29/1/2015 أن 568 جهاديا تونسيا في سوريا من جملة 2800 جهادي عاد إلى تونس، في حين قتل 600 جهادي منهم. وهو أمر يؤكد بما لا مجال للشك فيه أن تونس ضحية الإرهاب في الداخل وشريكة ضحاياه في الخارج، وأن الإرهاب المتمثل بهؤلاء المتنطعين يهدف بوعي أو غير وعي للقضاء على تطلعات الشعوب والأمم ويبقيها أسيرة الجهل والتسلط والاستبداد.
وبنظرة سريعة على الفكر المتشدد في تونس نرى أن بداياته تعود لمطلع الثمانينيات على يد مجموعة من الشباب بولاية صفاقس حين قاموا بعدد من العمليات البدائية البسيطة متأثرين بزعيمهم الروحي الشيخ محمد الأزرق الذي فرّ إلى المملكة السعودية قبل أن تسلمه الأخيرة للحكومة التونسية وحُكِم عليه بالإعدام. وقد شهدت تونس منتصف التسعينات بعد الأفكار المتشددة تأثراً بأفكار الشيخ الخطيب الإدريسي الذي عاد للبلاد من المملكة السعودية. تزامنت المرحلة مع انضمام العديد من التيار الجهادي التونسي إلى تنظيم طالبان في أفغانستان خلال التسعينيات واتخذوا لأنفسهم معسكرًا خاصًّا بهم وقاموا بعمليات نوعية لعل أهمها اغتيالهم أحمد شاه مسعود ومشاركتهم في معركة تورا بورا ضد الأمريكان ثم عملية المعبد اليهودي بجربة في 11 أبريل سنة 2002.
ومع عودة البعض منهم إلى تونس أسسوا تنظيم "جند أسد بن الفرات" الذي قام بعملية سليمان نهاية 2006. ثم تطور لاحقا إلى "الجماعة التونسية المقاتلة". ويُعتبر مؤتمر مدينة القيروان عام 2011 محطة مهمة في تأسيس هذا التيار الذي اختار لنفسه اسم "جماعة أنصار الشريعة" بقيادة أبو عياض أكبر المطلوبين للحكومة التونسية اليوم. في هذا الملتقى كرمت "أنصار الشريعة" والد يسري الطريقي الذي أعدم في العراق في نوفمبر 2011 بعدما أدين من قبل السلطات العراقية بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء.
منذ ذلك الحين والقوات الأمنية التونسية تخوض حربا مفتوحة ضد هذه التنظيمات المتشددة التي تتهم بالوقوف وراء اغتيال القائد اليساري شكري بلعيد في 6فبراير 2013. وكذلك اغتيال النائب القومي الناصري محمد البراهيمي في 25 يوليو 2013 أمام منزله من قبل أبو بكر الحكيم.
وكما كانت تونس سبّاقة في كلّ الخطوات التي عزّزت مسار الديمقراطية والتحرر في العالم العربي فإن الرهان معقود عليها مرة أخرى، وفي حال فشلها في استئصال هذه الجماعات فإن المصير سيكون قاتما للجميع.
&