علي حسين


&

&

إذا أردتم المقارنة بين أحوالنا، وأحوال البلدان التي لم تعش " للأسف" تجربة العراق الجديد، سوف يقال إن سبب الفارق هو اننا بلدان يخشى ساستها الله ويؤدون الفرائض، ودعونا أرجوكم من مراعاة حق الفقير في العيش بأمن وكرامة بشرية، فلنأخذ مستوى المواطنة واحترام حق الاختلاف، والمحافظة على مدنية الدولة، ولنأخذ مستوى العدالة الاجتماعية، الذي لم يكف ساستنا يوماً عن العمل على "إشاعتها" منذ أحد عشر عاماً.
حاول أن تقرأ ماجرى لهذه البلاد من ديمقراطية "نادرة"، وتتطلع الى البدان التي لم تحظَ بمثل هذه التجربة الفريدة شيئا، ولا أرادت أن تصنع معارك المصير، ستكتشف اننا نتفوق بعدد الخطابات و"جديتها".
قبل أيام خرج رئيس وزراء بريطانيا دافيد كاميرون ليعلن عن إقامة تمثال للمهاتما غاندي في ساحة البرلمان البريطاني..


وقال كاميرون: “المهاتما غاندي مصدر إلهام، نهج اللاعنف الذي تبناه سوف يتردد صداه للأبد كإرث إيجابي ليس فقط بالنسبة للمملكة المتحدة والهند، ولكن للعالم ككل”.
وأضاف: “لقد كان رجلاً له بصيرة عميقة وما زال الكثير من ملاحظاته باقية ومواكبة لأيامنا هذه”.
وتابع كاميرون، أن التمثال الذي تم من تبرعات من المواطنين، يعكس “أهمية غاندي الكبيرة في تاريخ بلدينا”


وأتمنى عليك وأنت تنتهي من قراءة الخبر، ان تعرف ان صاحب التمثال "غاندي" قاد اكبر ثورة في التاريخ ضد الاستعمار البريطاني وبفضله نالت الهند استقلالها عام 1947.
سحر غاندي البريطانيين بتواضعه، وبرفضه للعنف وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة التي دفعت "عدوّه" تشرشل إلى ان يخالف البروتوكول فيقرر الوقوف في باب رئاسة الوزراء لاستقبال الرجل النحيل الذي قرر ذات يوم وفي هدوء ان ينهي سلطة الرجل الابيض على القارة الهندية، وقبل ان يسحر غاندي زعماء ومشاهير العالم كان قد سحر مواطنيه الذين علّمهم ان الانتصار لا يعني الثأر والانتقام، وانما الصفح والمغفرة.
قاد تشرشل بريطانيا للنصر في الحرب العالمية الثانية.. لكنه خسر سباق السياسة أمام رجل نحيل جاء من بلاد الهند يجر وراءه معزة أكثر منه نحولا.
لا أعتقد أن هناك من يمل من الحديث عن سيرة الرجل النحيف الذي قال لأعدائه ذات يوم "لقد عرفت القانون وجربته فنجح أعظم نجاح، ذلكم هو المحبة وبها ستتحرر الهند".
اختصرها غاندي الذي كان يرفض أن يخدع الناس: "إني أوثر الانتظار أجيالا وأجيالا، على أن ألتمس حرية شعبي بالاكاذيب " يتكرر مشهد اصحاب الشعارات والبدلات البراقة على مر العصور دون أي تغيير، مجرد إضافات جديدة، ألم يخبرنا احد ساستنا ذات يوم أننا الشعب الأول في مجال الاستقرار والازدهار والتنمية، ونسي ان يضيف الى قائمة الاوائل،الخراب والفساد وتأسيس دولة داعش.
أرجو ألا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين مسؤول فاشل، وآخر يرى في الحكم وسيلة لا غاية، لكنني أحاول القول إن لا شيء يحمي الدول من الخراب سوى سياسيين صادقين، في العمل وفي الاعتراف بالتقصير.
كم سياسياً ومسؤولاً مصرّاً على ان يحرق هذه البلاد بسبب هواية الكذب والزعيق المتواصل؟ كم سياسياً يريد ترويض الناس بجمل وشعارات عن الوطنية والمظلومية؟ كم انتهازياً يشنّ كل يوم هجوماً على أدمغة الناس باسم "الاجندات الخارجية"؟
رجال النصر في هذا العالم كانوا يدركون جيدا أن الانتصار الأكبر هو الانتصار على الظلم والجهل والفقر.. لا مكان لمعارك الثأر والدفاع عن الخراب.
تتوالد وتتكاثر الأحقاد والضغائن في المناخات الملوّثة بوباء الطائفية والاستبداد، راجعوا معي حكاية المهاتما غاندي، فستجدون كيف تبنى الأمم حين يهجر الساسة خطب الكراهية والمنفعة والطائفية.

&