سلمان الدوسري

حتى أكثر المسؤولين المصريين تفاؤلاً، لم يتوقع أن يَضربَ المؤتمر الاقتصادي مجموعة من العصافير بحجر واحد؛ فلقد خرجت مصر من محاولات عزلها سياسيًا بصفة رسمية، وقدمت نفسها على أنها قبلة جاذبة للاستثمار، وصفعت المراهنين الذين كانوا يرون أن المحاولات الإرهابية ستكسر ظهر الدولة، فإذا بها تقوّيها، وانتعش الاقتصاد المصري بعد أربع سنوات من المعاناة، حتى إن الـ175 مليار دولار من الاستثمارات التي ستُضخّ في شرايين الاقتصاد المصري، ليست وحدها مربط الفرس، فرأس المال، كما يقال، جبان، والمستثمرون يعون جيدًا أنهم يضعون دولاراتهم في أرضية جاذبة.


إن مصر في النهاية استعادت ثقة العالم بها، كدولة لها ثقلها الإقليمي الذي لا ينازعها فيه أحد.


إذا كانت مصر قد وضعت أقدامها لتنهض عبر هذا الدعم العالمي غير المسبوق، سياسيًا واقتصاديًا، فإن الخطوات القادمة لا تقل أهمية، ولعل أهمها أن يسير الاقتصاد المصري على قاعدة «المسار المستدام».. يعتمد على الاستثمارات، لا على المنح والهبات، كما في الدعم السعودي الأخير الذي قدم مساهمة بـ«4» مليارات دولار؛ منها مليار دولار وديعة في البنك المركزي، وثلاثة مليارات موزعة بين مشاريع ينفذها الصندوق السعودي للتنمية، وبرنامج الصادرات السعودي، واستثمارات مشتركة للقطاع الخاص، وهنا واضح أن الدعم يوجه مباشرة للشعب المصري، وليس لحكومات أو أفراد كما يراد لهذا الدعم أن يبدو.


الفجور في الخصومة والحسابات السياسية الضيقة جعل جهات، داخل مصر وخارجها، تعمل ليل نهار على إسقاط الدولة.. أفهم ألا تتحمّس لهذا النظام أو تختلف معه أو حتى تعارضه، لكن الخلاف السياسي مع نظام حاكم أو رفض سياساته، من الضرورة ألا ينعكس على اقتصاد 90 مليون مصري.


مصر الدولة لن تنهض مرة أخرى إذا استمرت معاناة مواطنيها وانقطعت لقمة عيشهم، لذا ها هي مصر تقف على قدميها، وتقدم نفسها للعالم على أنها قادرة على أن تكون قبلة استثمارية مغرية له.


ولعل من المهم الإشارة هنا إلى ازدواجية المعايير التي تحكم السياسات الغربية في تناول الوضع المصري، صحيح أن واشنطن استشعرت خطأها أخيرًا، وارتضت أن تعود شيئًا فشيئا لمصر، إلا أن هذا الفهم الخاطئ لا يزال يلقي بظلاله على الطريقة المثلى التي تتعامل بها دول كبرى مع الوضع على حقيقته على أرض الواقع، وهو ما حدا بالأمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، خلال كلمة السعودية أمام المؤتمر، لمطالبة المجتمع الدولي «بعدم ازدواجية المعايير، والفهم الدقيق لما يجري من أحداث، ودعم جهود الحكومة المصرية لتثبيت الاستقرار ودعم جهود التنمية»، وفي حواره الأخير مع صحيفة «الشرق الأوسط» يقول الرئيس عبد الفتاح السيسي إن مشكلة الغرب أنه لا يفهم الأوضاع في بلاده كما هي على حقيقتها، ويحتاج فترة طويلة لاستيعاب المتغيرات.


في النهاية، كان مهمًا أن مصر استيقظت كما قال الرئيس السيسي أمس، ومهمًا كذلك أن العالم كله تكاتف لمساعدة المصريين في النهوض من كبوتهم، ومهمًا ثالثًا، أن كل محاولات إعادة مصر إلى الوراء فشلت، حتى لو استمر أصحابها ولم ييأسوا.


القطار المصري يمضي في سكته، ولا مجال لأي محاولات عبثية لإخراجه عن مساره.