بدر العامر

دعم المملكة لمصر أغاظ الممانعين الذين يقدمون مصالحهم الحزبية على المصالح العامة للشعوب، ويرون أن هذا الدعم هو هدم لما تبقى من أحلامهم في تنفيذ أجنداتهم الخاصة على حساب الأمة وتاريخها

&


لم يكن الدعم الذي قدمته المملكة في المنتدى الاقتصادي المصري من باب ضرب عصفورين بحجر، بل هو من ضرب عشرة عصافير بحجر واحد. وهذا هو الذي أغاظ الممانعين لهذا الدعم السعودي لمصر حكومة وشعبا، لأن هؤلاء يقدمون رؤاهم الضيقة ومصالحهم الحزبية الخاصة على المصالح العامة للأمة، ويرون أن هذا الدعم هو هدم لما تبقى من أحلامهم في تنفيذ أجنداتهم التي رتبوها منذ سنوات طويلة على حساب مصالح الأمة وقيمتها وتاريخها.
هذه الأهداف المركبة التي حققتها السعودية في دعمها للاقتصاد المصري تعد بعد توفيق الله صمام أمان للمنطقة في هذا الوقت العصيب الذي نمر فيه، خاصة في زمن التوحش الإيراني الكبير الذي تدعمه أميركا والغرب بخفية، وها هي أوصال الأمة تمزق وتلتهمها إيران وتعلن ببجاحة عن إمبراطوريتها المتخيلة وعاصمتها بغداد، وهذا يشكل موقفا ضديا وعدوانيا تجاه العالم الإسلامي السني كله الذي يشعر بانفصال تام مع الأطروحة الصفوية الاستعمارية التي تبطن العداء والموت والقتل والدمار لأعدائهم التاريخيين الذين لم تجف أحقادهم منذ أن هدمت إمبراطورية فارس وأطفئت نارهم، فيعملون جاهدين وبشعوبية مقيتة إلى الانتقام والاستحكام.


إن الناظر إلى موقع مصر التاريخي لن تخطئ عينه دورها الكبير في صد عاديات الشرق والغرب، فقد كانت مصر تاريخيا الحصن الكبير أمام هجمات الصليبيين الغازية، وفيها تكسرت أحلامهم وطموحاتهم، وهي التي انطلقت منها ترتيبات دحر المغول القادمين من الشرق، وعليها ركزت طموحات المستعمر المعاصر لينزعها من هويتها لعلمه أنها هي المعوق أمام المد الاستعماري الغربي، وهذا يجعل أمنها واستقرارها بالنسبة للعرب وأهل الخليج خيارا استراتيجيا لا محيد عنه في زمن الرخاء، فما بالنا في زمن المشاريع الرهيبة؟ الأمر الذي يؤكد الارتباط الوثيق بين قوة مصر ورخاء أهلها واستقرارهم وبين قوة العرب ودول الخليج ورد العاديات عنهم.


فإن شئنا أن ننظر إلى البعد الاستراتيجي لمفهوم الأمن "الشامل" للسعودية ودول الخليج، فإن مصر تعد بخيراتها وماء نيلها وثرواتها الزراعية مخزنا استراتيجيا للغذاء حال الأزمات والكوارث والحروب، وهذا يجعل دعمها خيارا مهما واستراتيجيا.


ووجود مصر دولة قوية وعزيزة يعني إحداث التوازن في الصراع العربي الإسرائيلي، فهي تشكل لليهود معادلة صعبة، ولذا سعوا جاهدين لتحييدها عن هذا الصراع، ومع ذلك فلا يمكن أن تحل قضية فلسطين، أو تحقق للفلسطينيين مطالبهم العادلة إلا من خلال البوابة المصرية، وقوتها ومنعتها يجعلانها تنعتق من الارتهان لفتات الغرب ودعمه الذي يكبل قراراتها ويؤثر في خياراتها، فكان تنشيط اقتصادها وقوته عاملا مؤثرا في خياراتها وقوتها السياسية أمام التحديات.


ومصر كذلك تمتاز بميزة قوية في تعدادها السكاني، والنسبة الكبيرة للشباب فيها وهذا كان محط أطماع الغرب العولمي الذي ينظر إلى أن مصر مخزن كبير للأيدي العاملة الذي تطمع فيه كل الشركات العابرة للقارات، والعرب أحق بهؤلاء الشباب، وفي إنجازهم وقدراتهم، إذ يحقق من خلالهم الانتعاش الاقتصادي، والرقي الحضاري، والتقدم الصناعي والمادي.


المؤتمر الاقتصادي في مصر هو رسالة لكل العرب، لأولئك الذين ينظرون في "طهران" الخلاص من مشكلاتهم الخاصة، رسالة مفادها أن الذين يراهنون على إيران لن يبوؤوا إلا بالخسران، ففي الوقت الذي تسعى السعودية ودول الخليج إلى الإعمار والدعم الاقتصادي وانتشال العرب من حالتهم المؤسفة نجد إيران تفسد كل أرض تحل فيها، في السودان واليمن، والعراق وسورية ولبنان، وأن الحل يكمن في "التضامن العربي الإسلامي" الذي يشكل نواة الأمة وطينتها الأصلية، الأمر الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله في كلمته الأخيرة وأكد عليه، وهو الذي لا بد أن يتحول إلى فعل استراتيجي ضروري، وهو بوابة الخلاص للخروج من الآثار التي أحدثتها الثورات العربية وإيران في المنطقة، فبالقوة والتعاون تقوى الأمة في مواجهة الخطوب والمخططات.


لقد كان الخطباء في السنوات الماضية يدعون في خطبهم لفلسطين بأن يرفع الله عنهم البلاء، فأضيف إليها العراق، ثم سورية، ثم ليبيا، ثم اليمن، ثم مصر، فأصبحت خارطتنا العربية والإسلامية حمراء مضرجة بالدماء، وانكشفت الأمة لتيار الغلو أهل الجفاء والبطش والدماء، وتيار الصفويين أهل الطموح، وتيار الاستعمار الجديد المبطن بالشعارات الفارغة التي نهايتها تفريق الأمة وتمزيقها، فأعتق الله مصر من أن يأتي عليها الدور لتكون مثل العراق وسورية، فأصبحت هي القلعة الوحيدة التي لا بد أن يحافظ عليها، ويقطع الطريق على من يريد أن يلحقها بأخواتها، وهذا الأمر بحد ذاته إنجاز كبير يحسب للسعودية ودول الخليج التي تنظر إلى مصر على أنها إما لك أو لإيران، وفيها يكتمل هلال إيران الذي ينظر إليه على أنها الهدف الاستراتيجي لبعث الدولة الفاطمية من جديد.


كل هذا يوصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها: دعمنا لمصر لن يذهب هدرا إذا أحسنت إدارة المشهد الاقتصادي فيها، واتبع الدعم بالمتابعة والتسديد، وركز على عامل الوقت والجودة والإتقان، فالنتيجة ستكون خيرا لأهلها ولمن حولهم، وهذا يدفع إلى ضرورة إعادة اللحمة المصرية، وتخفيف حدة الصراع الداخلي، وإعادة فتح الحوار مع الفرقاء المتصارعين.
&