عبد الله القفاري


ليدافع من يشاء عن الإسلام ويبرئه من هذا التشوه الخطير والمأزق الكبير والأليم.. الذي صنعته تنظيمات التطرف والإرهاب.. إلا أن كل هذا يبقى في إطار كشف وتعرية هذا الانفلات المجنون باسم الدفاع عن الإسلام. أما المؤكد انه لم يضار الإسلام كدين منذ ظهوره في جزيرة العرب، كمثل ما أضير في هذه العقود السوداء التي ولدت فيها تنظيمات التوحش..

لقد صنعوا بجدارة فوبيا من كلمة مسلم وعربي بل من الإسلام نفسه، إلى درجة إن يصبح هذا الدين مساوياً في نظر كثير من الغربيين للإرهاب.. وإلى الله المشتكى من هذا الجور والظلم.. مهما لطف البعض من عبارات التمييز بين دين الإسلام - العدل والحق والخيرية والرحمة - وبين ممارسات تنظيمات التوحش والانتهاك، مما جعل العالم من أقصاه إلى أقصاه لا يرى في كثير من المسلمين سوى مشروع محتمل للإرهاب.

كان السؤال ولا زال، وسيظل حتى نكتشف الإجابة الحقيقية لهذا الأثر البالغ لا على الإسلام كدين ونموذج حياة، ولكن حتى على أهداف تلك التنظيمات! كان السؤال ولازال: أي إستراتيجية أو رؤية أو أهداف يبتغي التنظيم تحقيقها عبر سلسلة عمليات الذبح والترويع واستخدام التقنيات الحديثة في إخراج بالغ التأثير لتحقيق ذلك الدوي الضخم والكبير والفادح النتائج؟ فضلاً عن الظلم وأخذ البريء بجريرة المذنب، وزيادة مساحة القمع والتصفية الدموية. ألم تصبح هذه التنظيمات الغطاء الأكبر لنظم القمع والقتل والاستبداد والتصفية الطائفية؟

كان السؤال ولازال: أي رؤية لتنظيم يقاتل في سورية وفي العراق لتمرير تلك العمليات بين وقت وآخر.. بل ها هو يتمدد ليصل إلى ليبيا وربما غداً مواقع أخرى.. ليجعل العالم من أقصاه إلى أقصاه يقف على قدميه مشدوها ومفجوعاً.

&

&

&

وهل يستبعد أن يكون هذا التنظيم جزءاً من خطة كبرى لزرع الأرض العربية والإسلامية بحرائق تطول وتطول وأنهار من الدماء تسفك وأبنية من الدول تتضعضع وشعوب تصاب بالخيبة واليأس والخوف والرعب.. لتصنع حالة عجز وشلل حتى لا تستبين للحق طريقاً ولا للمستقبل بناء..

&

&

&

&


هل يمكن لتنظيم يقاتل على جبهات كثيرة.. أن يزيد في حشود مواجهته ومقاومته وأن يضع العالم كله أمام مواجهة لا يمكن التراجع عن تنفيذها؟ وحتما سيكون الخاسر الأكبر فيها مهما طال زمن المواجهة!!

ألم يقاتل تنظيم الدولة كل الجماعات العرقية والدينية، من شيعة وأكراد ويزيديين ومسيحيين وحتى مسلمين سنة، أدت إلى توحيد كل المجموعات الاثنية والعرقية في سورية والعراق ضد هذا التنظيم. بل ها هو يخوض حرباً لا هوادة فيها ضد أقرب التنظيمات فكرياً إليه.

لماذا عندما اجتاح تنظيم الدولة شمال العراق وسيطر على الموصل، توجه فوراً لمناطق الأكراد ولم يتوجه إلى بغداد؟ لماذا جعل العالم يفجع لاجتياح قرى يزيدية تخص طائفة صغيرة يمكن التعامل معها بطريقة أخرى؟ بينما ظل يقدم للعالم نموذجاً بشعاً للأسر والاسترقاق والسبي.

لماذا في خضم الهجوم الجوي الذي قاده الائتلاف ضد مواقعها.. توجهت طلائعها فجأة إلى عين العرب البلدة الحدودية البعيدة إلى الشمال الشرقي على الحدود التركية.. وكانت النتيجة انها خرجت منها بخسائر فادحة.. كثير من الأسئلة المنطقية لا تجد إجابة منطقية في خضم هذا الصراع الذي يخفي أكثر مما يظهر..!

ألم يكن قطع التنظيم لرأس الصحفي الأمريكي، جيمس فولي، في منتصف أغسطس الماضي، هو الذي أشعل جزءًا كبيرًا من العالم الغربي ضد التنظيم، وأدى إلى قيام حملة جوية تقودها الولايات المتحدة؟.. ووفقًا لمسؤولين عسكريين أمريكيين، فقد أسفر هذا الهجوم حتى اليوم عن مقتل ما لا يقل عن الآلاف من عناصر التنظيم.

ما هو الهدف الاستراتيجي لذبح 21 قبطياً في ليبيا، لم يأتوا محاربين، وإنما قدموا من قرى مصرية فقيرة أملاً في الحصول على ما يسد حاجتهم.. أي أهداف تلك التي قدمت هذا التنظيم بهذه الصورة المتوحشة وحالت حتى دون تحقيق أهدافه سوى باستدامة القتل على الهوية الطائفية؟

ألم تخفف عمليات التنظيم البشعة من أعباء نظام الأسد في سورية - إلى مستوى إعادة التأهيل - ومن أعباء نظام الطائفية القاتل في العراق.. وليقدم غطاء لإيران خامنئي لتنشر هيمنتها على امتداد منطقة المشرق العربي بمباركة أمريكية.

ألم يجعل نظم الاستبداد والقمع تتنفس الصعداء وتعيد ترتيب أوراقها، بعد أن زلزلتها الانتفاضات الشعبية عام 2011، ولتجد التأييد والدعم من العالم لأنها تواجه مثل هذا التنظيم الخطير!! ألم تقض تلك الهجمة الداعشية على كل ما تحقق من ربيع عربي أصبح يهجى صباحاً مساء لأنه قدم في النتيجة مثل هؤلاء؟

هل كان هذا مخططاً، أم جاء كنتيجة طبيعية في منطقة تنام على بركان من القهر والاستبداد والقمع والرؤى الضيقة والمشروعات الفاشلة، لتستعيد الحروب الدينية وتقتل باسم الطائفة.. وتنتهك باسم الإسلام؟

وهذا لا يعني براءة الطائفيين من الشيعة والعلويين والمتحالفين معها من هذه النتائج الكارثية، فهم لا يقلون عن داعش وحشية، إلا أنهم يخفون عملياتهم البشعة بستار كثيف من السرية ويتركون لها إخراج أفلام الذبح على نحو يلصق بها الجرائم الأكبر والأخطر.

أتساءل أي عقل هذا؟ وإذا لم يكن حماية للإسلام وشرائعه من هذا التجاوز المجنون.. فهو لن يكون في صالح تنظيم صنع جبالاً من الكراهية والحقد والرغبة في ممارسة ذات التوحش للتخلص منه؟

أي عقل أو رؤية تريد تحقيق أهداف تنظيم يقاتل هنا وهناك، وهو لا يرى هذا العالم إلا من منظار الفسطاطين اللذين وضع معالهما وحده، ولا يعنيه أن يفقد مقاتليه وأن تهدر قواه وأن يجمع العالم كله حول أهمية وضرورة الخلاص من شروره؟

في تقرير لبيتر بيرغن في "سي إن إن" يقول: النافذة الرئيسة لفهم داعش هي مجلتها الصادرة باللغة الإنجليزية "دابق". وهو يعلق على العدد السابع من هذه المجلة، وهو العدد الذي قد تساعد قراءته بتمعن - كما يقول - في شرح رؤية هذا التنظيم للعالم.

يقول: "الخطأ الذي يرتكبه البعض عند النظر إلى داعش هو رؤيتها كلاعب عقلاني. ولكن بدلًا من ذلك، وكما توثق المجلة، تؤمن أيديولوجيا التنظيم بأننا نعيش نهاية العالم، وأن الإجراءات التي تتخذها داعش تسرع حدوث لحظة النهاية هذه".

ويقول أيضا: "ويساعد اسم المجلة نفسه، وهو دابق، في فهم نظرة داعش. بلدة دابق السورية هي المكان الذي من المفترض أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قد تنبأ بأنه سيشهد التقاء جيش الإسلام وجيش روما في المعركة النهائية، التي سوف تسبق لحظة النهاية، وسوف تؤدي إلى انتصار الإسلام الحقيقي".

كما جاء في هذا العدد: "بينما يتقدم العالم في تجاه الملحمة الكبرى، أصبح خيار الوقوف على الهامش، والاكتفاء بالمراقبة، خيارًا مفقودًا". وبعبارة أخرى، وفي منطق المجلة، الاختيار الآن هو بين أن يكون الناس إلى جانب داعش أو إلى جانب الصليبيين والكفار.

وعندما قتل الجهادي جون عامل الإغاثة الأمريكي، بيتر كاسيج، في نوفمبر/ تشرين الثاني، قال القاتل البريطاني الملثم في شريط الفيديو: "سوف ندفن الصليبي الأول في دابق، ونحن ننتظر بفارغ الصبر وصول بقية جيوشكم". وبعبارة أخرى، تريد داعش غزو قوة برية غربية لسورية، وهو ما من شأنه تأكيد معركة دابق".

وإن كان هذا التفسير غير مستبعد، فمثل هؤلاء قد لا يختلفون كثيراً عن جماعة جهيمان الذين احتلوا الحرم المكي في مطلع عام 1400ه لمبايعة مهديهم المنتظر.. وإيمانهم بمرويات ضعيفة وتأويلها على طريقتهم، بل وحتى نزوع زعمائهم للأحلام لتقرر مصير العالم، بعد أن وقعوا في شرك الارتماء في أحضان المهدي أو الخليفة المزعوم.. كل هذه ممكن.. إلا أن هذا لا يكفي، وهل من المستبعد أن يكون هذا التنظيم جزءاً من خطة كبرى توظف تلك التنظيمات لزرع الأرض العربية والإسلامية بحرائق تطول وتطول وأنهار من الدماء تسفك وأبنية من الدول تتضعضع وشعوب تصاب بالخيبة واليأس والخوف والرعب.. لتصنع حالة عجز وشلل حتى لا تستبين للحق طريقاً ولا للمستقبل بناء.. وهنا علينا أن نفتش عن المستفيد من هذا الصراع المفتوح على الدم والإنهاك والتدمير..!!
&