&فايز بن عبدالله الشهري


كانت الشعوب تشكو من الطغاة فلما ولّى زمن الطغاة أخذت الشعوب تفني بعضها في حروب عبثية ترويها الدماء في ليبيا واليمن وسورية والعراق. ترى من يملك تفسيرا لحمامات الدم اليومية التي تهز عواصم العرب التاريخية؟ وكيف تعنقدت الشعوب إلى جماعات وتيارات تتنافس في الموت والدمار وتتناحر على من يسبق إلى ذبح أخيه وفناء حرثه ونسله.

كيف لم يعد هناك حرمة لمسجد أو سوق أو متحف وكيف لم يعد لأي كائن عربي في بغداد وطرابلس وصنعاء ودمشق أية حرمة أو ذمة؟ ما نوع مخدّر الضمير الذي تحقنه الجماعات المتقاتلة في أشقيائها كي لا يروا مفاتيح بوابات الجنة إلا بقتل ونحر نفوس زكيّة كان قدرها أن تكون في تقاطع ساعة الموت مع وكلاء إبليس وهم يفجّرون ويقتلون.

مما عرفنا تاريخيّا أن الشعوب ضحايا الطغاة، وأن هؤلاء الطغاة حينما تتملكهم شهوة القوة والسلطة يشرعون في التدمير والقتل باسم الوحدة والتوسع وأحيانا باسم الأيديولوجيا والعرق. وتذكر كتب التاريخ مثلا كيف تسبّب "ستالين" وحده في مقتل وتشريد أكثر من 50 مليون إنسان خلال الفترة ما بين 1927 -1953. ويذكر المؤرخون مقولته التي ترسخ استهتاره بحياة الناس: "موت رجل حادث محزن وموت الملايين مسألة إحصائية". ويمكن الإشارة هنا إلى تاجر الموت الطاغية نيقولاي الثاني آخر أباطرة روسيا الذي تسبّب في موت ما يزيد على 3 ملايين روسي. وفي بلجيكا قام المستبد ليوبولد الثاني (1865-1909) خلال فترة توسعه ومنافسة الإمبراطورية البريطانية بإرسال جيشه لقتل ما يقرب من 1.5 مليون مواطن كونغولي واحتلال أرضهم التي تزيد مساحتها على مساحة بلاده بحوالي 80 ضعفا.

وعلى قرع طبول نزعة العرق الآري تسبب جنون حكم هتلر (1933 -1945) في القتل المباشر لما يزيد على 15 مليون إنسان لينتهي الطموح النازي باندلاع الحرب العالمية الثانية التي خلفت أكثر من 50 مليون قتيل. والتاريخ لا ينسى أن "ماوتسي تونغ" الدكتاتور الصيني الذي توفي عام 1976 مسؤول عن موت 70 مليون صيني قتلهم بالمجاعة والتسخير في معسكرات العمل.

وفي ارض الرافدين "العراق" كان الموعد مع الطغاة ودمارهم للحرث والنسل متكررا في حقب التاريخ المختلفة سواء في تاريخها القديم مع طغاة مثل "النمرود" (قيل انه حكم 400 عام!) أو في مراحل تاريخها الوسيط مع "هولاكو" و"جنكيز خان". وليس بعيدا عنّا استذكار عهد "صدام حسين" الذي أراق دماء ما يزيد على المليونين من شعبه العرب والكرد ومن الإيرانيين.

والسؤال اليوم بعد موت ورحيل الطغاة القتلة في أكثر من بلد عربي وبعد أن ملكت شعوب هذه البلدان قرار الحرب والسلم كيف لم توقف إراقة الدماء وتأتي إلى كلمة سواء؟ وما سرّ عدالة الموت المجاني في أكثر من مدينة عربية تغفو وتصحو على صيحات الدمار لأكثر من 60 فصيلا يمارس القتل هواية وهويّة؟ هل يمكن القول إن الشعوب العربية هي اليوم من تمارس تدمير ذاتها وروحها ومستقبلها؟ أرجو ألا يكون الجواب بنعم.

&

* مسارات..

قال ومضى: إن كنت بالفعل تبحث عن الحقيقة فلا تقمع فكرة قد لا تتفق مع هواك.
&