إدريس الدريس

شمعة "العروبة" ما زالت تومض في مجموعة دول مجلس التعاون رغم اشتداد الرياح العاصفة حولها لكنها مع ذلك تسعى ما أمكنها إلى حماية هذه الشعلة من الانطفاء

&


تنعقد نهاية هذا الأسبوع في شرم الشيخ قمة عربية جديدة، ولو قمت على الفور بإجراء استفتاء شعبي عنها وعن موعدها، وعن مكان انعقادها لفشلت في حصر الإجابات الصحيحة إلا في النادر.
هكذا تحلل "الحس القومي" والنزعة العروبية شيئا فشيئا خلال السنوات الماضية حتى تدنت لمستوى الصفر، لقد انكفأت – غالباً – الدول العربية على نفسها وصارت كل دولة مشغولة بحالها وأوضاعها الداخلية اقتصاديا وأمنيا، وصارت تنوء بهمومها ناهيك عن أن تهتم بهموم الدول العربية الأخرى، على أن شمعة "العروبة" ما زالت تومض في مجموعة دول مجلس التعاون رغم اشتداد الرياح العاصفة حولها لكنها مع ذلك تسعى ما أمكنها إلى حماية هذه الشعلة من الانطفاء.


في عقود الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات كان لمؤتمرات القمم العربية صولات وجولات وكان لصدى انعقادها "شنة ورنة"، وكنت تستشعر وقع الاهتمام بها رسميا وشعبيا وأنت في الرياض وكأنها تنعقد عندك حتى لو كانت في الرباط أو القاهرة أو سواهما من العواصم العربية.


في تلك الفترة كانت قضية العرب واحدة وكانت مواقفهم حيالها واحدة، وقد يقع الاختلاف في التفاصيل، ولكن بعيدا عن الاستراتيجيات، ولم تكن أي دولة تتجرأ على الخروج عن النسق السائد – حتى لو رغبت – خوفا وخجلا من الرأي الشعبي العام الذي يُخَوِّن على الفور كل من يصدح خارج السرب القومي، لكن رغم ضعف آليات تلك المؤتمرات ورغم إفشالها كثيرا من القرارات بحجة عدم الإجماع إلا أنها استطاعت أن تقلل المخاطر المحيطة وأن تظهر – في بعض الأحيان – وجهها الصارم والعازم أمام الرأي العام الدولي، كما استطاعت أن تجمد كثيرا من خلافاتها الثنائية.


لكن غزو العراق للكويت فتح باب جهنم على البلاد العربية حتى تذكرت مع ما حدث فيها وما تلاها من أحداث قصيدة نصر بن سيار التي أرسلها مدوية يحذر فيها بني أمية من الخلاف ويستصرخ عقلاء القوم لإطفاء هذه الجذوة:
أرى خلل الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى
وأن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفئها عقلاء قوم
تكن حرباً مشمرة يشيب لها الغلام
وهكذا يعيد التاريخ نفسه، فقد جاء احتلال العراق للكويت ليقتسم العالم العربي الهش ويفتح الباب على مصراعيه لتنفجر كل الدمامل والقروح التي رانت في النفوس، ويصبح العرب عربان أحدهما مع الغزو وأحدهما ضده، وهكذا توالت وتتابعت الأحداث من واقعة 11 سبتمبر إلى الغزو الأميركي للعراق ثم تسليمه بالضبة والمفتاح للإدارة الفارسية، التي كانت بعد غزو الكويت وما أورثه ذلك من انقسام تتسرب عبر سفاراتها وعملائها المزروعين رويداً رويداً في مفاصل بعض الأقطار العربية الواهنة حتى دانت لها العراق وسورية واليمن، وكأن نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان يقرأ أحداث هذه الأيام في تلك الأزمان وهو يقول:
فإن يكن أصبحوا وثووا نياماً
فقل قوموا فقد حان القيام
ففري عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعرب السلام
ومرة أخرى فإن نصر بن سيار كما لو أنه يقرأ حالنا العربي المعاصر من قبل ألف سنة فيرسل إلينا تحذيره ونصحه واستقراءه للمخبوء.
أسمعه يخاطب الإخوة العرب:
ما بالكم تلقمون الحرب بينكم
كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيبُ
وتتركون عدواً قد أظلَكمُ
فيمن تأشب لا دين ولا حسبُ
ليسو إلى عُربٍ منا فنعرفهم
ولا صميم الموالي إن هم نُسِبواْ
قوم يدينون ديناً ما سمعت به
عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ
ممن يكن سائلي عن أصل دينهم
فإن دينهم أن تقتل العربُ
&