حسن الحارثي

في عام 1992 جلس إلى جواري في الطائرة المتجهة من دبي إلى جدة، مهندس لبناني عمره في بحر الخمسين، وكانت هذه أول رحلة لي إلى دبي، ولم يدهشني فيها أي شيء آنذاك، بل إنها لم تكن سوى خور بحري ومجموعة فنادق وأسواق شعبية، وربما كان الشيء الوحيد الذي يدعو إلى الدهشة هو خطوط الإمارات الجديدة التي كانت في ذلك الوقت ثورة جديدة في عالم الطيران.


تجاذبت الحديث مع جاري اللبناني وعرفت حينها أن تخصصه هندسة مدن، وأخبرني أنه يعمل ضمن فريق كبير يقوم على مشروع إعمار دبي، وسألته سؤالا مباشرا مستغلا وجودي مع شخص متخصص في هندسة المدن، ما هي برأيك المدينة الأجمل، جدة أم دبي؟
لم يتردد ثانية واحدة في الإجابة وعلى الفور قال: جدة، وأضاف بكل ثقة وهدوء: شارع التحلية وحده أجمل من دبي بأكملها.


اليوم وبعد مرور ٢٥ عاما، ما زلت أتذكر هذا الموقف في كل موسم إجازة يتسابق فيها السعوديون إلى حجز أمكانهم على خارطة دبي السياحية ثلاث أو أربع مرات سنويا، وتنتابني رغبة شديدة في لقاء صاحبي اللبناني لأسأله السؤال ذاته، لكن أخشى أن يباغتني هو بسؤال عن شارع التحلية في جدة، ماذا حل به، هل ما زال حيا يرزق؟
سياحة دبي العائلية أو الخدمات التي تقدم للعائلات، جميعها موجودة في جدة، باستثناء السينما، فالسعوديون تحديدا يسافرون إلى دبي للفندقة والتسوق وارتياد المطاعم والواجهات البحرية كـ"المارينا" و"الجي بي آر"، وهذه جميعها خدمات متوافرة في جدة، بغض النظر عن مستوى الخدمة ونوعيتها والشخص الذي يقدمها، فلماذا لا يتجه السعوديون إلى جدة بدلا من دبي؟
يبدو أنني في حاجة إلى توجيه هذا السؤال إلى صاحبي اللبناني لعله ينصف جدة، فنحن لم ننصفها بما تستحق.