بعد تصريحات وزيرة خارجيتها تجاه المملكة

&

&

&تركي التركي&

&

&


السويد بعد عقود من النزعات التوسعية المغامِرة للأجداد المحاربين (الفايكنج) عُدت إلى وقت قريب من الدول الرائدة في الحيطة والأمان، إذ عُرفت باختراع حزام أمان السيارة، الذي ما زال يساعد على إنقاذ حياة الناس، بواقع شخص كل ست دقائق. إلا أن تصريح وزيرة خارجيتها الأخير، تجاه شأن داخلي سعودي، كان على النقيض، وفيه كثير من "التهور" السياسي تجاه دولة لها ثقلها الدولي، والتهور الثقافي أيضا، بتعرضه لأحكام شرعية يعتقدها ملايين من البشر.

فلم يكن للأزمة السعودية ـ السويدية أن تتداعى بهذا الشكل السائر باتجاه أزمة دبلوماسية متكاملة الأركان لو أن وزيرة الخارجية السويدية قدّرت موقعها التمثيلي الحساس في حكومة بلادها، حين قررت الإدلاء بهذا التصريح المستفز والمتجاوز للأعراف الدولية والدبلوماسية. فلماذا هذا التحول أو "التهور" في السياسة السويدية؟ هل هو موقف فردي محدود أم توجه حكومي عام؟

الحكومة السويدية، في رأي كثير من المحللين، ليست بمعزل عن تحولات كثيرة طالت دول الاتحاد الأوروبي بصفة عامة، إثر صعود واضح وملموس لأحزاب اليمين المتطرف المعادي للأجانب، وهو ما يشتكي منه، اليوم، كثير من المهاجرين والمواطنين السويديين؛ من أصول عربية مسلمة أو شرقية على وجه العموم. ففي أواخر عام 2014 مثلا بدأت دولة السويد في تصنيف بعض الوثائق الخاصة بالاتحاد الأوروبي على أنها سرية، ولا يمكن للمواطنين الاطلاع عليها. في مخالفة صريحة للدستور السويدي الذي يسمح لعامة الشعب بالاطلاع على الوثائق الرسمية في إطار سياسة الشفافية التي تتبعها الدولة.

إلى ذلك، فإن مجلس النواب السويدي، الذي ألقت فيه الوزيرة تصريحها، لم يسلم هو أيضا من تأثير اليمين المتطرف المتصاعد دوره في أوروبا. ومن المعلوم أن هذا المجلس تحديدا كان نواة لإثارة كثير من القضايا تجاه السعودية، في إطار صراعات معتادة بين المعارضة والحكومة، ومع ذلك لم تتخذ السعودية حينها أي موقف باعتبار هذه المباحثات تصب في الشأن الداخلي بين النواب والمعارضة والحكومة، ولكن أن تتبنى الحكومة مثل هذه القناعات، البعيدة عن الواقع، والمسيئة للدولة وتشريعها بتصريح من وزيرة خارجيتها، فهذا هو الأمر المرفوض من قبل الرياض دبلوماسيا وسياسيا ودينيا.

التجاذبات داخل مجلس النواب السويدي نتيجة لهذا الصعود اليميني المتطرف لم تسلم منه أيضا قضايا سويدية وطنية، ففي إطار أوضاع سياسية شهدتها البلاد نهاية العام إثر تغيرات في الحكومة وعدم موافقة مجلس النواب على ميزانية الدولة الجديدة اضطر المشرعون لإعلان انتخابات نيابية جديدة في مارس 2015 نظرا لرفض المعارضة الحالية القائمة على حزب اليمين المتطرف تمرير الميزانية.

سياسة هذا الحزب، ووقوفه في وجه تمرير الميزانية كان الغرض منها الحد من الهجرة، أو إيقافها في نزعة وُصفت في السويد بـ "المعادية" للأجانب. وهنا يتساءل كثير من المواطنين من أصول عربية، في مجالسهم الخاصة والعامة، عما سيشهدونه في الأعوام المقبلة وما هي أبرز القوانين الجديدة التي سيتم تطبيقها، وهل تمثل هذه التداعيات زمنا جديدا في السويد؟

وفي ضوء هذه التحولات المحلية سويديا، وبالعودة للأزمة السويدية ـ السعودية خارجيا يبقى أن هذا التصريح السويدي سواء كان بشكل مؤسسي مقصود أم "فردي" غير مقصود فإن له تبعاته الحكومية بدون أدنى شك. لذلك قابلته السعودية برد "مؤسسي" وقف بوضوح مع استقلالية القضاء وأحكامه المستمدة من الكتاب والسنة، من خلال بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء. ما يميز الرد السعودي أن شكله الإجرائي الدبلوماسي، لم يخلُ بدوره من توضيحات ثقافية واجتماعية ساقها البيان السعودي، حيث شدد على أنه من غير المقبول الحكم على ثقافة ما من خلال ثقافة أخرى مختلفة عنها تماما.

كما أن الرد السعودي كان من الجدية بمكان في حرصه على الحفاظ على هيبة الدولة وتشريعها الإسلامي ليمتد سياسيا واقتصاديا شاملا إيقاف منح تأشيرات تجارية لرجال الأعمال السويديين، أو تجديد أخرى سارية المفعول، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية السويدية في تصريحه لوكالة فرانس برس، أن الرياض أبلغت ستوكهولم بهذا الإجراء. إلى ذلك، علّق رئيس الوزراء السويدي ستيفن ليوفان، على هذا الإجراء، قائلا "بالتأكيد هذا ليس وضعا جيدا. ونحن لا نرغب في هذا الوضع مع المملكة العربية السعودية".

هذا الإجراء أغضب بدوره رجال أعمال سويديين ومديري شركات نافذة طالبوا الحكومة بعقد لقاء عاجل خارج قبة البرلمان أو داخله، من أجل التفاهم حيال السبيل المثلى لاحتواء هذه الأزمة. حيث تشير الإحصاءات السويدية إلى أن الصادرات إلى السعودية بلغت العام الماضي 1.3 مليار دولار، فيما احتلت السوق السعودية الترتيب الـ 18 بين أكبر أسواق التصدير أمام المنتجات السويدية.

ليعود البرلمان السويدي للواجهة السياسية مرة أخرى، ولكن لدوره الأساسي، هذه المرة، في البحث عن المصلحة العامة للبلد، ولإصلاح ما يمكن إصلاحه، بعد تهور سياسي لم يكن له أي داع، بحسب كثير من المراقبين، سوى تحقيق مكاسب شخصية سياسية ضيقة. تزول بزوال الأشخاص، في حين تبقى الدول هي الأساس، بشعوبها ومقدراتها، واحترامها ثقافة ومعتقدات بعضها البعض.
&