محمد علي فرحات

حين يلبي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دعوة رسمية لزيارة الرياض، يكتمل الاعتراف العملي بالحكم المركزي في بغداد، إقليمياً ودولياً، وتنطلق المهمة الصعبة، ولنقل شبه المستحيلة، لإعادة تكوين الدولة العراقية ذات التاريخ الحديث الحافل بالانهيارات، منذ الانقلاب العسكري عام 1958، مروراً بالتنازع الدموي على السلطة، والكوارث التي صاحبت وأعقبت حربي الخليج الأولى والثانية، وصولاً إلى احتلال «داعش» مساحة واسعة من أرض العراق وشعبه وضمها الى «دولة الخليفة» الممتدة في سورية، والتي يتوقع لها الأميركيون عمراً لا يقل عن ثلاث سنوات.

&

يزور العبادي الرياض مع نتائج المحادثات حول النووي الإيراني التي يعتبرها الأميركيون إنهاء بالديبلوماسية لاحتمال تسلح طهران نووياً. لكن طمأنينة واشنطن لا تنسحب على المنطقة الغارقة في أزماتها. ويبدو الأمر كأن اتفاق طهران - واشنطن يَعِد بحروب أكثر مما يبشِّر بانفراجات.

&

ربما لهذا السبب تتحرك الديبلوماسية السعودية تجاه بغداد، فيما تؤكد دعمها الشرعية اليمنية وحض المتنازعين على الحوار لتجنيب بلدهم حريقاً يؤثر سلباً في الجوار الخليجي. كما تكرر الرياض دعوتها الى حل سياسي في سورية يطوي صفحة الحرب والنظام ويؤسس دولة جميع السوريين.

&

وقبيل زيارة العبادي المزمعة للرياض استقبل العاهل الأردني عبدالله الثاني رئيس «المجلس الأعلى» العراقي عمار الحكيم، للبحث في مشكلات الوحدة الوطنية العراقية. وتأتي الزيارة في سياق اهتمام الأردن باستقرار العراق، وانفتاحه على طهران التي زارها وزير الخارجية ناصر جودة داعياً إلى تعاون عربي- إيراني ضد الإرهاب.

&

الاهتمام السعودي، وبالتالي العربي، بالعراق، يستعيد وجوداً أخلى مكانه لنفوذ إيراني ولقدر من النفوذ التركي. وهو يأتي مع جمود الحرب على «داعش» عند أسوار تكريت، حيث يستفيد التنظيم من الحساسيات السنّية- الشيعيّة التي ترهق الدولة العراقية وتعيق تبلورها. ومن سوء حظ العراقيين ان الحرب على «داعش» تربط الملفين العراقي والسوري، فلا تستطيع بغداد بعلاقاتها مع كبار الإقليم، السعودية وإيران وتركيا، أن تعزل ملفها عن ملف سورية الذي يبقى نقطة خلاف.

&

ومن معوّقات تجديد الدولة العراقية أن القوى الحاكمة ذات أساس طائفي أو أثني لا وطني، كالسنّة والشيعة والأكراد. وبذلك يهيمن الإسلام السياسي، بتناقضاته الطائفية وبغيابه عن الواقع، واعداً بمزيد من التناقضات في المجتمع، ومبتعداً عن الحياة الحديثة في وجوهها الاقتصادية والسياسية والثقافية.

&

يقف الجيش العراقي ومعه «الحشد الشعبي» عند أسوار تكريت، لا تمنعه أفخاخ «داعش» في الشوارع والأبنية بقدر ما تمنعه الحساسية المذهبية لأهل الحكم في وجهيهم الشيعي والسنّي، وترددات هذه الحساسية في العالمين العربي والإسلامي. ذلك ما دفع ويدفع الولايات المتحدة إلى كفّ يدها عن معركة تكريت والاكتفاء في أحسن الأحوال بتصوير المدينة من الجو، لا بقصفها كما في مناطق أخرى في العراق وسورية.

&

العبادي في الرياض تمهيداً لإعادة فتح سفارتها في بغداد، ولحضور سياسي يوازن الحضور الإيراني. لكن العراق، إذ يقوده الإسلام السياسي البائس، يبقى عاجزاً عن تكوين دولته الحديثة، على رغم الاعتراف الإقليمي والدولي بشرعية حكومته، إلا إذا أتاحت الظروف انطلاق الوطنية العراقية الحبيسة في صدور المواطنين، على تعدد طوائفهم وأديانهم وإتنياتهم.
&