سمير عطا الله

حاولت مصر الناصرية أن تصل إلى السعودية من خلال اليمن. وحاول صدام حسين أن يصل إليها عبر الكويت. وحاولت إيران أن تجرّب حظّها من خلال ميليشيا الحوثيين. وكل محاولة كانت عبارة عن امتحان لصلابة عاهل سعودي. الملك فيصل، ثم الملك فهد، والآن الملك سلمان بن عبد العزيز. وخلافًا للخصوم، كان العاهل السعودي يتصرف دائمًا من خلال شرعية دولية كبرى. وكان لا يتصرف عسكريًا إلاَّ بعد أن يستنفد جميع المحاولات السياسية. غير أن الحرب الحالية تختلف بكون الحوثيين غطاءً لدولة، بصورة غير مباشرة، بعكس ما حدث أيام مصر والعراق. ويبدو أن النمط الجديد هو استخدام القوى المحلّية في زعزعة الدولة العربية في كل مكان. وبينما لم يعثر صدام حسين في الكويت إلا على مرتزقٍ مزواج لا يعرف أحد عنوان منزله، فإن إيران تعثر في العراق وسوريا واليمن على أعداد غفيرة وجماعات كثيرة تقوم عنها بالأدوار المؤدّية، في كل مكان، إلى حروب أهلية متنقّلة.


هذا أول امتحان إقليمي للملك سلمان. وسوف يتعرَّف الذين لا يعرفون، على صفات رجل الدولة الصلب وحارس الأمن القومي المتأهّب. والذين كانوا يعتقدون أن سلمان بن عبد العزيز كان مأخوذًا بشواغل الحكم والعهد الجديد، اكتشفوا كيف أنه يعدّ للحرب بالتنظيم والقدرة والكفاءة التي يُعد بها للسلام. وفوجئوا في يوم واحد بأنه يقود ائتلافا دوليًا متعددًا، من مصر إلى باكستان، في عملية سريعة للذود عن الشرعية العربية في وجه العدوان الميليشياوي المتفلّت والمندفع من مكان إلى مكان من دون أي رادع أو وازع، أو مراعاة لأي قواعد وأصول ومفاهيم إنسانية.


لقد حرث الحوثيون في أمن اليمن واستقراره، كمن يحرث في أرض عدو، وتصرفوا كأنهم غزاة جنكيزيّون، وليس كأنهم جزء من وطن وأهل. وكانوا يعتقدون أن أحدًا لن يهب لمساعدة الشرعية والدفاع عن أمن اليمن، لأن السائد في العالم العربي اليوم هو حرث الدول بالخراب والفكاك والانهيار، بحيث لا تظل للدولة العربية أي مقومات للبقاء. لقد أصبحنا نتحدث عن العروبة كأننا نتحدث عن ديناصورات لم يبقَ منها سوى الاسم. بل إنهم أصبحوا يسخِّفون الأمل بالعروبة والعرب، كأنما الشعوبية المعاصرة في أعلى درجات ازدهارها.


ما من أحد يطلب الحرب ويذهب إليها طوعًا، وما من محب لشعبه وأرضه وأهله وأبنائه يغامر بهنائهم وسكينتهم، ولكن أيضا مَن مِن أبٍ لا يهب للدفاع عنهم وعن كرامتهم وعن مصيرهم. إن الذين يبعثون بالرسائل القاتلة إلى هذه المنطقة، ينسون دائمًا أن العنوان البريدي منذ الأزل، كان وسوف يظل «الجزيرة العربية»، ولن يكون في إمكان الميليشيات، أو حليفها المشير العظيم واليمني الأول طوال 33 عامًا، أن يغيروا في هذه الهوية العظيمة للجزيرة العربية وبلاد العرب ومهد الرسالة.