&هالة مصطفى

&

&

&

المؤتمر الدولى الذى عُقد بشرم الشيخ وحضره أهم قادة العالم وممثلو كبرى الشركات العالمية فضلا عن صندوق النقد والبنك الدوليين هوالحدث الأبرز على مدى السنوات الماضية.

&


فقد كان نجاحا لافتا لمصر سياسيا واقتصاديا, اقليميا ودوليا. إذ على الرغم من أهميته الاقتصادية الا أن مغزاه السياسى لا يقل عن ذلك.

&

لذا لا يجب التعامل مع المؤتمر على أنه مجرد «حدث لحظى» وإنما كبداية لمرحلة جديدة ستُزيد حتما - إذا أُحُسن استخدامها - من قدرات مصر الداخلية والخارجية، وبالتالى من دورها ونفوذها الاقليميين. فالاقتصاد والسياسة لا ينفصلان لأنهما وجهان لعملة واحدة فى معادلة القوة لأى دولة ترغب فى أن تكون مؤثرة.

&

فى هذا السياق, تناولت العديد من الصحف ووسائل الاعلام الأجنبية الحدث من زوايا مختلفة ولكن استوقفتنى زاوية محددة تشير إلى مؤتمر شرم الشيخ باعتباره «طبعة جديدة» من مشروع مارشال، أو على الأقل يحمل بعض ملامحه. والأخير كما هو معروف تاريخيا يعد المشروع الاقتصادى الأضخم الذى قدمته الولايات المتحدة لأوروبا عام 1947 فى عقب الحرب العالمية الثانية, وقد رصدت له 13 مليار دولار كنقطة انطلاق, وحمل اسم رئيس أركان جيشها المنتصرفى الحرب جورج مارشال (شغل منصب وزيرالخارجية بعد ذلك) والذى أعلنه فى خطاب شهيرأمام جامعة هارفارد تحدث فيه عن أهدافه بعيدة المدى فى تحقيق تنمية طويلة الأجل للقضاء على «الفقر والفوضى واليأس» وليس مجرد تقديم بعض المساعدات الوقتية, ولعل هذا ما ميز المشروع وأبقاه حيا فى الذاكرة السياسية, فهو ببساطة لم يكن مجرد مشروع، أو خطة للمساعدات، وإنما تجاوزها لإعادة إخراج أوروبا - التى دمرتها الحرب - فى صورة أخرى ناهضة ومتقدمة.

&

والواقع أن هذه لم تكن كل القصة, فقد كانت الأهداف السياسية حاضرة بقوة أيضا، إذ خشيت أمريكا وقتئذ أن تقع تلك القارة الكبرى فى قبضة «الشيوعية الدولية» بزعامة الاتحاد السوفيتى, لذا فقد تلازم وتزامن معها - أى مع خطة مارشال - الاعلان عن «مبدأ ترومان» نسبة إلى الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت, الذى أقرها ودعمها من أجل هدف سياسى أكبر وأشمل وهو تأسيس قوة اقليمية موحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا تقف أمام المد الشيوعى, الذى اعتُبرالخصم الأيديولوجى أو- العدو -, وذلك بتحويل دولها إلى دول رأسمالية ناجحة ضمت إلى جانب «الحلفاء» دول «المحور» المهزومة (ألمانيا واليابان).

&

هكذا كانت البداية حتى أصبحت أوروبا على ماهى عليه الآن.

&

ورجوعا إلى تلك المقارنة بين ما جرى بالأمس هناك وما يجرى عندنا اليوم, فسنجد بالفعل أوجها للشبه وأخرى للاختلاف. فالدعم الكبير الذى قدمته دول الخليج وفى مقدمتها السعودية لمصرالذى ُتوج بمؤتمر شرم الشيخ, يشبه فى بداياته ما حدث بالنسبه لمشروع مارشال, فالحديث هنا أيضا ليس عن «خطة للمساعدات» وإنما انشاء ما يشبه التحالف الاقتصادى الذى يوفر لكل دولة فيه فرصا أعلى للنجاح من خلال الاستثمار والتشغيل والارتقاء بالخدمات العامة، وهكذا, كما أن هذا الدعم سيصُب فى النهاية لصالح بناء تكتل اقليمى قوى يكون قادرا على مواجهة التحديات المفروضة على المنطقة وتكون مصرمرتكزه.

&

كذلك وكما قام مشروع مارشال لمواجهة «خطر» الشيوعية حتى وُصف وقتها - ومازال - بأنه كان أهم «معركة لكسب العقول» a war of minds أى عقول الأوربيين خاصة من الشباب الذين ظنوا أن الانتماء الى التنظيمات الشيوعية هو الحل لمشاكل الفقروالبطالة التى عانوا منها, فان نفس الشىء يمكن أن ينطبق - مع الفارق فى تحديد العدو - على العالم العربى والاسلامى، إذ ليست الشيوعية بالطبع ولكن - الارهاب - واستغلال الجماعات المتطرفة للظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة لاستقطاب قطاعات من الأجيال الجديدة وتجنيدهم, وهو التحدى الذى تواجهه مصر والممتد على طول هذا العالم مهما اختلفت الظروف والتجارب السياسية لكل دوله على حدة.

&

هذه هى بعض أوجه الشبه التى استدعت المقارنة بين مشروع مارشال الأمريكى الأوروبى وبين المبادرة التى انطلقت من مصر بدعم عربى لترسم ملامح المستقبل، وتكون سلاحا فى مواجهة الارهاب متجاوزة التصدى الأمنى له الذى يعد عاملا رئيسيا فى هذه المواجهة، ولكنه ليس الوحيد و يجب ألا يكون كذلك.

&

أما أوجه الخلاف فتتعلق بالفروقات الثقافية بين الحالتين الأوروبية والعربية، وأيضا فى الظروف الاقليمية والدولية المحيطة, وكلها تشكل تحديات مغايرة لما كان عليه الوضع فى الأربعينيات من القرن الماضى. فالشيوعية كانت مجرد مذهب سياسى بعكس التنظيمات المتطرفة المسئولة عن الارهاب, والتى تراهن على توظيف المشاعر الدينية مستغلة ثقافة عامة مازالت شديدة التقليدية لجذب أنصار لها، أو خداعهم بشعارات حماسية مغلوطة.

&

ومن ناحية أخرى, فإن مشروع مارشال جاء بعد أن انتهت الصراعات الاقليمية المسلحة وحُسمت عسكريا، ولم تبق سوى التسويات السياسية لما بعد الحرب، على نقيض الحال فى الشرق الأوسط الآن, الذى يعانى من الاضطرابات وكافة أشكال الصراعات الأهلية والمذهبية ونزاعات على إعادة تعريف «الهوية» وحروب بالوكالة تتداخل فيها شئون الداخل بالخارج, أى أن النظام الاقليمى برمته فى وضع غيرمستقر، ولا يُعرف بعد شكله النهائى! وهو ما يؤثر على جهود أى دولة تسعى للخروج من هذا المأزق. بعبارة أخرى إن الفارق هنا هو بين مبادرة جاءت بعد انتهاء مرحلة الصراع المسلح (مشروع مارشال) وأخرى تأتى فى خضم مثل هذا الصراع (المبادرة المصرية العربية) وهو ما يجعل التحدى أصعب فى الحالة الأخيرة.

&

ولكن أيا كانت الاعتبارات ومهما كانت أوجه الاختلاف بين الزمانين فإن مصر قد اختارت البداية الصحيحة, ولكن تحويل الطموحات الكبرى الى واقع يحتاج إلى عمل خلاق واختيارات واضحة عند وضع السياسات العامة، وتحديد الأولويات حتى لا نعيد إنتاج سياسات فاشلة. فليس المهم فقط أن نبدأ، ولكن الأهم أن نستمر بنفس النجاح ودرجة الايقاع.
&