الياس حرفوش

الصراخ الذي نسمعه اليوم ضد «عاصفة الحزم» من حناجر «الممانعين» في هذه المنطقة التعيسة هو الصراخ نفسه الذي سمعناه قبل 25 سنة ضد «عاصفة الصحراء». والذين ترتفع أصواتهم هم أنفسهم تقريباً: اين كنتم عندما جرى احتلال فلسطين؟ ولماذا تستفيقون الى تحرير الكويت واليمن وتنسون «القضية المركزية» والاحتلال الاسرائيلي؟ باسم فلسطين، وتحت هذا الشعار، تُرتكب كل المعاصي وتستباح كل المحرّمات في منطقتنا. أنظمة تذبح شعوبها باسم «القضية». ميليشيات تعيث فساداً واضطهاداً وتدميراً للأنظمة والمؤسسات في الدول العربية بحجة ان هذه الميليشيات تقاوم و»تمانع»، وتقف بالمرصاد لاسرائيل. يقوم صدام حسين بغزو الكويت، ثم يطلق بضعة صواريخ باتجاه اسرائيل، بحجة انه ذاهب الى تحرير القدس عن طريق الكويت. وباسم فلسطين وتحت هذا الشعار يصول من يسمّون انفسهم «أنصار الله» ويجولون في شوارع المدن اليمنية، رافعين يافطات «الموت لأميركا ... الموت لاسرائيل ... الموت لليهود»، فيما أولياء نعمتهم يتجولون على ضفاف البحيرات السويسرية جنباً الى جنب مع الاميركيين، يرتبون الصفقات لاقتسام المنطقة، فيما اسرائيل في آخر سلم اهتمامات الطرفين.

&

هدف «العاصفتين»، الصحراء والحزم، كان واحداً: تمكين الحكم الشرعي في بلدين عربيين هما الكويت واليمن من استعادة السلطة بعدما تعرضت لعملية غزو منظم من قبل قوتين خارجيتين. في حالة الكويت كان هدف الغزو الذي نفذه صدام حسين هو الاطاحة بالسلطة الحاكمة في ذلك البلد وتسليط شخص مجهول الهوية على الكويت، فيما يحكم صدام من خلاله ويتصرف بمقدرات الكويت وبثروة شعبها. وفي حالة اليمن اليوم، يهدف الغزو الإيراني تحت غطاء جماعة الحوثيين الى تسليط هؤلاء على مقدرات البلد بعد الاطاحة بالسلطة الحاكمة، واحتجاز رموزها من الرئيس الى رئيس الوزراء الى سائر المسؤولين، ثم اللحاق بهم الى عدن بعدما تمكنوا من الهرب من صنعاء.

&

ومثلما كان هدف صدام حسين هو ضرب الامن العربي عموماً وأمن منطقة الخليج بشكل خاص، يسعى الايرانيون في اليمن الى تحقيق الهدف نفسه: تهديد امن الخليج واستقرار دوله، من خلال تهديد الحدود السعودية والسيطرة على الممرات التي تصدّر منها منطقة الخليج نفطها الى العالم، بحيث يتحكم الايرانيون بمضيق هرمز في شرقي هذه المنطقة وبباب المندب في غربها، ويصبح الخليج بكامله في قبضتهم.

&

لم تكن اللعبة الايرانية ذكية هذه المرة، فهدفها كان واضحاً، والتصدي لها من قبل قوات التحالف التي تخوض اليوم معركة انقاذ اليمن كان لا بد منه. لقد تجاوزت المسألة حسابات الحذر والتروي التقليديين اللذين تعرف بهما السياسة السعودية، ووجد قادتها ان الخيار الوحيد المتاح هو التجاوب مع النداء الذي أطلقه رئيس اليمن لإنقاذ بلده قبل فوات الاوان.

&

كان غزو الكويت بداية النهاية لنظام صدام حسين. احتاج الامر الى اكثر من عشر سنوات ليتخلص العراقيون والمنطقة من النزعة التوسعية التي ميزت ذلك النظام. ومن مفارقات تلك النهاية ان سقوط نظام صدام فتح الباب لصعود نزعة توسعية أخرى اكثر خطورة هي النزعة الايرانية. بفضل الاحتلال الاميركي للعراق بعد الغزو، تمكنت طهران من وضع يدها على الحكم في بغداد، ومهّد ذلك لأخطر عملية انقلاب على ثوابت المنطقة. وضع الايرانيون يدهم على عاصمة الرشيد، وسيطروا على دمشق بعد دخولهم الحرب مباشرة ضد شعبها لانقاذ نظام بشار الاسد، وهيمنوا على القرار في لبنان عن طريق «حزب الله»، من خلال شلّ المؤسسات السياسية واختراق المؤسسات الامنية وتعطيل كل القرارات والاستحقاقات الدستورية التي لا تخدم أهدافهم.

&

كان يفترض ان يكون درس تحرير الكويت كافياً ليفهم المتربصون بالمنطقة ان التلاعب بمصائرها وبمصالح شعوبها لا يمكن التساهل معه أو غض النظر عنه. أما «المحللون» الذين يرون اليوم أن وراء التحالف ضد التوسع الحوثي في اليمن أهدافاً مذهبية، فلهم ان يتذكروا أن تلك الاهداف، لو كانت موجودة فعلاً، كان يفترض أن تُبقي صدام حسين في الحكم الى اليوم.
&