الأردن والسعودية: إتصال هاتفي «ملكي» يعيد «ترقيم» المسألة الإيرانية والإيقاع «اليمني» يصلح العلاقات


بسام البدارين

&

&

&لا يرى سياسيون كبار وغيرهم في الأردن أن سياسة «تنويع» وتعدد الخيارات الدبلوماسية التي ظهرت مؤخرا على صعيد التواصل مع إيران والإستعانة بالخبرة النووية الروسية إنعكاس لتبديل حقيقي في بوصلة المملكة السياسية بقدر ما هي محاولة «للبقاء» في مستوى ومنسوب المسافة الأبعد عن الحريق الإقليمي بكل تعبيراته.


العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تلقى أمس الأول إتصالا هاتفيا من نظيره السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ..كان ذلك عمليا الإتصال الهاتفي الأول بين الزعيمين بعد فترة «برود» وتساؤل أحاطت بالعلاقة الثنائية منذ تسلم الملك سلمان مقاليد الأمور.
طوال الأسابيع الماضية شعر المسؤولون الأردنيون بحالة من «الفتور» في العلاقة مع العهد الجديد في السعودية، وزيارات تقديم واجب العزاء لم تبدد هذا الشعور والمخاوف .
وفي أروقة رئاسة الوزراء الأردنية كان الرئيس عبدالله النسور يواصل الإستفسار من وزير المالية الدكتور أمية طوقان عن «مستجدات» الدعم السعودي وبحث الفريق الاقتصادي الأردني كما علمت «القدس العربي» عن أي مؤشرات من أي نوع يمكن أن يفهم منها بوادر إيجابية من قبل الملك سلمان أو أقرب المقربين إليه تجاه الأردن وتحديدا في الإتجاه الإقتصادي.
لم ترشح هذه البوادر فاستمر القلق وسط النخبة الأردنية إلى ان لمست حجم التضامن مع النظام المصري سعوديا في مؤتمر شرم الشيخ الإقتصادي الداعم لمصر فتقررت استراتيجية «التنويع» الدبلوماسي التي لم تتضمن تفصيلات عميقة.
محور «رد الفعل الأردني» تمثل حصريا في زيارة وزير الخارجية ناصر جودة لطهران واقتصار حديثه بالعموميات فقط وبدون الغرق في تفصيلات الجانب المشترك.
بالنسبة لجودة كانت الزيارة للرد على زيارة قام بها قبل أشهر نظيره الإيراني محمد ظريف وفي طهران طلب الوزير جودة من سفيره عبدالله أبو رمان تنظيم لقاء «مجاملة» مع الرئيس حسن روحاني وأبلغ أبو رمان الخارجية الإيرانية بالرغبة فجاء الرد سريعا وخلال نصف ساعة.
والتقطت الكاميرات صورة الوزير جودة وهو يصافح ويكاد يعانق روحاني علما بأن الوزير ظريف كان قبل اسابيع فقط قد اشتكى للملك عبدالله الثاني من الوزير جودة لإنه عندما زار عمان- أي ظريف- فوجئ بوزير الخارجية الأردني يتحدث معه عن جزر الإمارات المتنازع عليها.
طهران التقطت رسالة التحفيز الأردنية وتفاعلت معها فورا وبدون تردد وسلمت الخارجية الأردنية دعوة رسمية للعاهل الأردني لزيارة طهران.
كانت تلك الصورة هي المطلوبة حصريا لـ»تحفيز» الذاكرة السعودية والتقدم خطوة نحو منطقة أمان يبحث عنها الأردن قبل ان يقفز لسطح الأحداث بطبيعة الحال الخيار السعودي «اليمني» الذي خلط الأوراق.
بعد صورة جودة وروحاني طرحت تساؤلات وبدأت عمان تدخل على خط التواصل مع قادة الشيعة في لبنان والعراق فحضر حسن فضل الله وعمار الحكيم لعمان ورتبت زيارة لمقتدى الصدر وانتعش رجال الأعمال العراقيون من الطائفة الشيعية في الأردن وعددهم بالمئات.


في الأثناء عبر رئيس الوزراء الأردني الأسبق والمخضرم طاهر المصري عن تقييمه بضرورة عدم المبالغة في تحميل زيارة جوده لطهران أكثر مما تحتمل واستمعت «القدس العربي» لرأي مباشر يفيد بأن الزيارة مبرمجة بروتوكوليا حتى وإن كان توقيتها سياسيا بإمتياز.
الوزير جودة نفسه وبعد دعوته من قبل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان بهدف الإستفسار اعتبر بان الزيارة لها علاقة بإتجاهات الحفاظ على خيارات «الأمن القومي» الأردنية لإن مصلحة المملكة تتطلب مرحليا التحدث مع جميع الأطراف الفاعلة.
شروحات الوزير جودة في الأعيان كانت تستلهم عمليا الواقع الموضوعي حيث تسيطر إيران على اربع دول عربية وحيث لا يمكن مواجهة تنظيم الدولة في سوريا والعراق بدونها وحيث تتواجد قوات الحرس الثوري الإيراني في أقرب مسافة ممكنة لحدود مدينة الرمثا الأردنية مع درعا السورية.
لم يسأل السعوديون بصفة رسمية عن تطور ونمو العلاقات مع إيران أردنيا إلى ان حضرت في الواقع عملية «عاصفة الحزم» فتغيرت المعطيات…هنا تحديدا تفاعل الأردن مجددا وبحماس وشعر المسؤولون ان رسالة زيارة طهران حققت أغراضها وأهدافها عندما اكتشف الملك سلمان بن عبد العزيز أنه يحتاج «الخبرة الأردنية» في معركته مع الحوثيين أو بمعنى أخر مع إيران في اليمن.
مشاركة الأردن عسكريا في حملة عسكرية سعودية ضد النفوذ الإيراني في اليمن تعني تلقائيا القضاء على أي آمال عريضة في إنعاش علاقات أردنية- إيرانية.
حسب سياسي مخضرم في عمان: إذا كانت المصافحة بين ناصر جودة وروحاني جملة إنفعالية مشحونة برزت بعد المليارات السعودية التي قدمت للنظام المصري فإن الإتصال الهاتفي للملك سلمان مساء الخميس ومطالبته رسميا الأردن بمساعدة عاصفة الحزم ينتج فعلا معاكسا للمصافحة والصورة ويعيد تسمية وترقيم المسألة ويوحي بإستجابة سعودية لعمان قوامها «وصلتنا الرسالة» وهي عبارة سيعقبها تفكير بالعودة لقواعد اللعبة التحالفية الأساسية.
إيران لن يرضيها «التلاعب الأردني» بهذه النمطية لكنها قد لا تتحمس لردة فعل وعمان لا يمكنها بحال من الأحوال الدوران بعيدا عن المركز السعودي خصوصا عندما يتعلق الأمر بخيار عربي مثل الخيار اليمني…هكذا تدور البوصلة الأردنية حول نفسها مجددا.

&
&