بدر العامر

لا نستبعد أن تنشئ إيران جيوبا لها في اليمن بعد أن تهدأ العاصفة، لتمارس من خلالها شن حرب طويلة وممنهجة على الداخل اليمني ودول الخليج، تكون عامل إشغال للسعودية على أطول مدى ممكن

&


كانت عاصفة الحزم عاصفة من المشاعر الإيجابية التي عمت الجميع بعد أربع سنوات من الإحباطات والمشكلات والدماء التي شهدها العرب في السنوات الماضية والأحداث المفصلية التي تلت الثورات العربية فأثرت في المنطقة سلبا، وظل الناس يترقبون مزيدا من المشكلات التي لا تزال تعانيها كثير من الدول إلى هذه اللحظة. حيث شعر الناس - بعد عملية عاصفة الحزم التي قادتها المملكة لإنقاذ اليمن من الانزلاق في أتون حرب أهلية، واستحكام الحوثيين عليها الذي يعني دخول اليمن تحت سلطة الإيرانيين، وتهديد المنطقة كلها والسعودية خاصة ومصالحها وأمنها - بإيجابية المبادرة، وقوة العزيمة، واستقلال الإرادة، وجمع الكلمة وتحمل التبعات المتوقعة.


الوضع "الحوثي" في اليمن ليس وضعا عارضا، أو شأنا خاصا في اليمن، وليست جماعة لها طموح خاص، بل هي داخلة ضمن "مشروع" له طموحه الكبير، وأجندته الكبيرة، وأيدلوجيته التي لها حمولتها الفكرية والسياسية، وهي في اللحظة نفسها تصطدم مع مصالح المسلمين في الخليج، وتهيئ لخلق أوضاع ملتبسة وفوضى عارمة، وتتوافق مع المشاريع الجديدة في الشرق، وهذا يعني أن الوجود الحوثي في اليمن استثنائي، ومن دلالة ذلك الموقف الإيراني من "عاصفة الحزم" الرافض لما فعلته السعودية وحلفاؤها، وكذلك الجيوب والجماعات والكتائب الموالية لإيران في البحرين ولبنان والعراق وغيرها، والتي تعرف أن ما جرى في اليمن هو كسر لضلع مهم في الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، وأنه إضعاف للمشروع وهدم لمخطط بني منذ سنوات كثيرة، وهذا يعني أن الاستسلام لما حدث ليس بالأمر السهل.


إنه لا ينبغي أن تلهينا نشوة الحدث عن التوقعات التي يمكن أن تحدث بعده، فإيران تتمتع بالقدرة على المكر السياسي، وهي تستحكم على مجموعات كثيرة قادرة على إحداث البلبلة في دول الخليج، ولديها من الأتباع من يستطيعون بسهولة توظيف ذلك لصالحهم في إشغال السعودية عن الوضع اليمني، سواء من الجماعات القتالية التكفيرية، أو من الأتباع المذهبيين المقتنعين بالأيدلوجية الإيرانية والحوثية، ولذلك فإن التوقعات بالنسبة للرد الإيراني تنحصر في ثلاثة خيارات:
الخيار الأول: المواجهة المباشرة مع السعودية ودول الخليج، وهو خيار مستبعد في ظل ما تعيشه إيران من ضعف اقتصادي، وحجم هائل من الالتفاف حول السعودية من الدول العربية والإسلامية، والميزة التي تتمتع بها السعودية كوجهة روحية وتاريخية للعرب والمسلمين، إضافة إلى حساسية الملف النووي الإيراني الذي يتوجه إلى الإنهاء والحسم في المفاوضات مع الغرب، خاصة أميركا، ولذا لا يمكن أن تتوجه إيران إلى هذا الخيار بأي حال.


الخيار الثاني: المواجهة غير المباشرة التي تعتبر ماركة إيرانية، حيث تستخدم غيرها في الفتك بعدوها، وتتسلل إلى تحقيق ما تريد دون أن تظهر بالصورة بوضوح ومباشرة، والذي سوف يتنوع بتنوع الوسائل المتاحة أمام الإيرانيين التي يستخدمونها منذ سنوات طويلة، ولكنها سوف تفعل ذلك في الأيام القادمة، إذ يبلغ الشريط الحدودي بين السعودية واليمن 1400 كيلومتر، والتجربة في القتال مع الحوثيين قريبة، ولذلك فإن من المتوقع أن يتم إشغال السعودية من حدودها الجنوبية سواء بتوسع عمليات التسلل المسلح، أو إغراق الحدود بآلاف المتسللين الذين يمكن أن يشكلوا أزمة على الحدود الجنوبية السعودية، ومحاولة استنزاف السعودية وإدخالها في حرب طويلة.


ومن المناكدات المتوقعة إشعال البحرين مرة أخرى لإزعاج دول الخليج وإحداث الاضطراب، وربما تكون الأحداث القادمة في البحرين أشد ضراوة من سابقتها، ولكن المختلف أن الظروف قد تغيرت من حيث نفوذ دول الخليج وقدرتها على التدخل العسكري من خلال العمل العربي المشترك، وهذا يعني تفعيل دور "درع الجزيرة" في البحرين استعدادا لما هو متوقع في مثل هذه الأحوال، كما يمكن أن تعمل جيوبها الموالية لها في كل دول الخليج، خاصة في السعودية لتصعيد عمليات المواجهة والشغب.


ومن الوسائل التي يتوقع أن تستخدمها إيران وتوظفها كعادتها تلك الجماعات القتالية المغالية أمثال القاعدة وداعش، فهي جماعات سهلة الاختراق والتوظيف والتوجيه، وخبرة إيران في هذا الأمر قديمة جدا، استفادت منها في سورية في إنهاك المقاومة، واستفادت منها في العراق في إحداث الفوضى التي نفذت من خلالها إلى السيطرة على بلاد الرافدين، وسوف تستفيد منها كذلك في النقمة من دول الخليج بتصعيد مواجهتها وحربها ضد دول الحزم، خاصة أن تلك الجماعات مستعدة للتحالف مع أي جهة كانت في سبيل تحقيق أهدافها وطموحاتها وخططها.


ومن التجارب التي فعلتها إيران في سورية والعراق دخول المقاتلين المباشرين دون أن يظهروا في الصورة من خلال كتائب وجنود الحرس الثوري لتقديم الدعم اللوجستي والخبرة العسكرية للجهات المستهدفة، ولا يستبعد أن يخلقوا لهم جيوبا في اليمن بعد أن تهدأ العاصفة ليمارسوا من خلالها شن حرب طويلة وممنهجة على الداخل اليمني ودول الخليج، تكون عامل إشغال للسعودية على أطول مدى ممكن.


أما الخيار الثالث، وهو خيار مستبعد، فهو الانكفاء عن الوضع اليمني وعدم التدخل فيه واعتباره أرضا هزيمة لا ثمر فيها، أو أنها قابلة للتأجيل، فتستعيد التخطيط لأطول مدى ممكن، وتكسب من ذلك إثبات دعواها بأنها لا تدعم الحوثيين في اليمن لا عسكريا ولا سياسيا، وهو أمر ممكن لكنه بعيد، لأنها صرفت على مشروعها في اليمن ثروات هائلة، وليس من السهولة أن تضحي بهذا المشروع دون أن تشغب على من وقف في وجهها.
&